غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُۥ عَامٗا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَامٗا لِّيُوَاطِـُٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (37)

29

ثم فسر الظلم المنهى عنه في الآية المتقدمة وأكد النهي عنه بقوله { إنما النسيء } وهو مصدر نسأ إذا أخر كالنذير والنكير . وقال قطرب : أصله الزيادة من قوله : نسأت المرأة إذا حبلت لزيادة الولد فيها . وردّ بأنه يقال لها ذلك فيؤول لتأخر حيضها . وقيل : هو معنى منسوء كقتيل بمعنى مقتول . واعترض بأن المؤخر هو الشهر المعنى إلى أن الشهر زيادة في الكفر وهذا الحمل غير صحيح . ويمكن أن يجاب بأن المراد أن العمل الذي بسببه يصير الشهر الحرام مؤخراً زيادة في الكفر . احتج الجبائي هاهنا بأن الكفر يقبل الزيادة فكذا الإيمان . وأيضاً أطلق الكفر على هذا العمل فتركه يكون إيماناً فلا يكون الإيمان مجرد الاعتقاد والإقرار . وأجيب بأن الزيادة راجعة إلى الكمال وإنما سمي هذا العمل كفراً لأنه يؤول إلى اعتقاد تحليل ما هو حرام وبالعكس . وفي قوله { يضل به الذين كفروا } بحث مشهور بين المعتزلة وغيرهم أن إسناد الإضلال إلى الله تعالى بالمجاز أو بالحقيقة وقد مر مراراً . قوله { يحلونه عاماً } الضمير فيه عائد إلى النسيء . قال الواحدي : أي يحلون التأخير عاماً وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا فيه في الشهر الحرام . ويحرّمون التأخير عاماً آخر وهو الذي يتركون فيه الشهر الحرام على تحريمه . قال المفسرون : إنهم كانوا أصحاب حروب وغارات وكان يشق عليهم مكث ثلاثة أشهر متوالية من غير قتل وغارة ، فإذا اتفق لهم في شهر منها أو في المحرم حرب وغارة أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر . قال الواحدي وأكثر العلماء : على أن هذا التأخير كان من المحرم إلى صفر . ويروى أنه حدث ذلك في كنانة لأنهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة ، وكان جنادة بن عوف الكناني مطاعاً في قومه وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته : إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه . ثم يقوم في القابل فقول : إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرّموه . والأكثرون على أنهم كانوا يحرمون من جملة شهور العام أربعة أشهر وذلك قوله { ليواطئوا عدّة ما حرم الله } أي ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوا ولم يعلموا أنهم خالفوا ترك القتال ووجوب التخصيص وذلك قوله تعالى { فيحلوا ما حرم الله } أي من القتال وترك الاختصاص . قال أهل اللغة : يقال تواطأ القوم على كذا إذا اجتمعوا عليه كأن واحد منهم يطأ حيث يطأ صاحبه . والإيطاء في الشعر من هذا وهو أن يأتي في القصيدة بقافيتين لفظهما ومعناهما واحد . قال ابن عباس : إنهم ما أحلوا شهراً من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه شهراً آخر من الحلال ، ولم يحرموا شهراً من الحلال إلا أحلوا مكانه شهراً آخر من الحرام لأجل أن تكون عدة الحرم أربعة مطابقة لما ذكره الله تعالى فهذا هو المراد بالمواطأة . وللآية تفسيراً آخر وهو أن يكون المراد بالنسيء كبس بعض السنين القمرية بشهر حتى يلتحق بالسنة الشمسية ، وذلك أن السنة القمرية أعني اثني عشر شهراً قمرياً هي ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً وخمس وسدس من يوم على ما عرف من علم النجوم وعمل الزيجات ، والسنة الشمسية وهي عبارة عن عود الشمس من آية نقطة تفرض من الفلك إليها بحركتها الخاصة ثلثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم إلا كسراً قليلاً ، فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بعشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة تقريباً ، وبسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل فيكون الحج واقعاً في الشتاء مرة وفي الصيف أخرى ، وكذا في الربيع والخريف ، فكان يشق الأمر عليهم إذ ربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الأطراف فكان يختل أسباب تجاراتهم ومعايشهم فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة بحيث يقع الحج دائماً عند اعتدال الهواء ، وإدراك الثمار والغلات وذلك بقرب حلول الشمس نقطة الاعتدال الخريفي ، فكبسوا تسع عشر سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة شمسية فزادوا في السنة الثانية شهراً ثم في الخامسة ثم في السابعة ثم في العاشرة ثم في الثالثة عشرة ثم في السادسة عشرة ثم في الثامنة عشرة ، وذلك ترتيب بهر يحوج عند المنجمين ، وقد تعلموا هذه الصفة من اليهود والنصارى فأنهم يفعلون هكذا لأجل أعيادهم ، فالشهر الزائد هو الكبس وسمي بالنسيء لأنه المؤخر والزائد مؤخر عن مكانه ، وهذا التفسير يطابق ما روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وكان في جملة ما خطب به : «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان » والمعنى رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج في ذي الحجة وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية . وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة . وإنما لزم العتب عليهم في هذا التفسير لأنهم إذا حكموا على بعض السنين بأنها ثلاثة عشر شهراً كان مخالفاً لحكم الله بأن عدّة الشهور اثنا عشر شهراً أي لا أزيد ولا أنقص وإليه الإشارة بقوله { ذلك الدين القيم } على هذا التفسير . ويلزمهم أيضاً ما لزمهم في التفسير الأول من تغيير الأشهر الحرم عن أماكنها ، فيجوز أن تكون الإشارة إلى المجموع . ومعنى قوله { يحلونه عاماً } أي يحلون النسيء في عام الكبس ويحرمونه عاماً أي في غير سنة الكبس . ومعنى قوله { ليواطئوا عدّة ما حرم الله } ما روي أنه كان يقوم في الموسم منهم خطيب ويقول : أنا أنسئ لكم في هذه السنة شهراً وكذا أفعل في كل سنين أقبلت حتى يأتي حجكم وقت الإدراك فينسئ المحرم ويجعله كبيساً . ثم إنه متى انتهت النوبة إلى الشهر الحرام فتكرر حرم عليهم واحداً برأيه وعلى وفق مصلحتهم ، وأحل الآخر . والباقي في الآية قد مر في تفسير مثله مراراً والله تعالى أعلم .

/خ37