في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُۥ عَامٗا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَامٗا لِّيُوَاطِـُٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (37)

36

( إنما النسيء زيادة في الكفر . يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ، ليواطئوا عدة ما حرم اللّه ، فيحلوا ما حرم اللّه . زين لهم سوء أعمالهم . واللّه لا يهدي القوم الكافرين ) .

قال مجاهد - رضي اللّه عنه - : كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول : أيها الناس . إني لا أعاب ولا أخاب ، ولا مرد لما أقول . أنا قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر . ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ، ويقول : إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم فهو قوله : ( ليواطئوا عدة ما حرم اللّه ) قال : يعني الأربعة . فيحلوا ما حرم اللّه تأخير هذا الشهر الحرام .

وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم : هذا رجل من بني كنانة يقال له القلمس ، وكان في الجاهلية وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام ، يلقى الرجل قاتل أبيه ولا يمد إليه يده ؛ فلما كان هو قال : اخرجوا بنا . قالوا له : هذا المحرم . قال : ننسئه العام . هما العام صفران . فإذا كان العام القابل قضينا . . جعلناهما محرمين . . قال ففعل ذلك . فلما كان عام قابل قال لا تغزوا في صفر . حرموه مع المحرم . هما محرمان . .

فهذان قولان في الآية ، وصورتان من صور النسيء . في الصورة الأولى يحرم صفر بدل المحرم فالشهور المحرمة أربعة في العدد ، ولكنها ليست هي التي نص عليها اللّه ، بسبب إحلال شهر المحرم . وفي الصورة الثانية يحرم في عام ثلاثة أشهر وفي عام آخر خمسة أشهر فالمجموع ثمانية في عامين بمتوسط أربعة في العام ولكن حرمة المحرم ضاعت في أحدهما ، وحل صفر ضاع في ثانيهما !

وهذه كتلك في إحلال ما حرم اللّه ؛ والمخالفة عن شرع اللّه . .

( زيادة في الكفر ) . .

ذلك أنه - كما أسلفنا - كفر مزاولة التشريع إلى جانب كفر الاعتقاد .

( يضل به الذين كفروا ) . .

ويخدعون بما فيه من تلاعب وتحريف وتأويل . .

( زين لهم سوء أعمالهم ) . .

فإذا هم يرون السوء حسناً ، ويرون قبح الانحراف جمالاً ، ولا يدركون ما هم فيه من ضلال ولجاج في الكفر بهذه الأعمال .

( واللّه لا يهدي القوم الكافرين ) . .

الذين ستروا قلوبهم عن الهدى وستروا دلائل الهدى عن قلوبهم . فاستحقوا بذلك أن يتركهم اللّه لما هم فيه من ظلام وضلال .