أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج } متعلق ب { حرام } أو بمحذوف دل الكلام عليه ، أو ب { لا يرجعون } أي يستمر الامتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها : وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها ، والمحكي هي الجملة الشرطية . وقرأ ابن عامر ويعقوب " فتحت " بالتشديد . { وهم } يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم . { من كل حدب } نشز من الأرض ، وقرئ جدث وهو القبر { ينسلون } يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

تحتمل { حتى } في هذه الآية أن تكون متعلقة بقوله { وتقطعوا } [ الأنبياء : 93 ] وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق ب { يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] وتحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب { إذا } لأنها تقتضي جواباً وهو المقصود ذكره ، واختلف هنا الجواب ، فقالت فرقة الجواب قوله { اقترب الوعد } والواو زائدة ، وقالت فرقة منها الزجاج وغيره الجواب في قوله { يا ويلنا } التقدير قالوا { يا ويلنا } وليست الواو بزائدة ، والذي أقول إن الجواب في قوله { فإذا هي شاخصة } وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأَنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه ، وقرأ الجمهور «فَتحت » بتخفيف التاء ، وقرأ ابن عامر وحده «فتّحت » بتثقيلها ، وروي أن { يأجوج ومأجوج } يشرفون في كل يوم على الفتح فيقولون غداً نفتح ولا يردون المشيئة إلى الله تعالى فإذا كان غداً وجدوا الردم كأوله حتى إذا أذن الله تعالى في فتحه قال قائلهم غداً نفتحه إن شاء الله فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ ، وقرأ عاصم وحده «يأجوج ومأجوج » بالهمز ، وقرأ الجمهور بالتسهيل ، وقد تقدم في سورة الكهف توجيه ذلك وكثير من حال { يأجوج وماجوج } فغنينا ها هنا من إعادة ذلك . و «الحدب » كل متسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه . وقالت فرقة المراد بقوله ، { وهم } { يأجوج ومأجوج } لأنهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض وذلك أنهم من الكثرة بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم أخرج بعث النار من ذريتك فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين » قال{[8276]} ففزع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «إن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألف رجل »{[8277]} ويروى أن الرجل منهم لا يموت حتى يولد له ألف بين رجل وامرأة وقالت فرقة المراد بقوله { وهم } جميع العالم وإنما هو تعريف بالبعث من القبور وقرأ ابن مسعود «من كل جدث » وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل ، و { ينسلون } معناه يسرعون في تطامن{[8278]} ومنه قول الشاعر : [ الرمل ]

عسلان الذئب أمسى قارباً . . . برد الليل عليه فنسل{[8279]}

وقرأت فرقة بكسر السين ، وقرأت بضمها ، وأسند الطبري عن أبي سعيد قال يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحداً إلا قتلوه إلا أهل الحصون فيمرون على بحيرة طبرية فيمر آخرهم فيقول كان هنا مرة ما ، قال فيبعث الله عليهم النغف حتى تكسر أعناقهم فيقول أهل الحصون لقد هلك أعداء الله فيدلون رجلاً ينظر فيجدهم قد هلكوا قال فينزل الله تعالى من السماء فيقذف بهم في البحر فيطهر الأرض منهم{[8280]} ، وفي حديث حذيفة نحو هذا وفي آخره قال وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها{[8281]} ، وروي أن ابن عباس رأى صبياناً يلعبون وينزوا بعضهم على بعض فقال هكذا خروج يأجوج ومأجوج .


[8276]:أي الراوي.
[8277]:حديث بعث النار أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، وفي تفسير سورة الحج، وفي الرقاق والتوحيد، وأخرجه مسلم في الإيمان والفتن، والترمذي في تفسير سورة الحج، والإمام أحمد في مواضع كثيرة من مسنده.
[8278]:تطامن: أصلها الهمزة، يقال: تطأمن، وهي مطاوع طأمنه إذا سكن أو انخفض، وتخفف الهمزة فيقال: تطامن. (المعجم الوسيط).
[8279]:البيت في اللسان (عسل)، وقد نسبه إلى لبيد، ثم قال: "وقيل: هو للنابغة الجعدي"، ونسبه في القرطبي إلى النابغة. وعسل الذئب والثعلب يعسل عسلا وعسلانا: مضى مسرعا واضطرب في عدوه، والقارب: الذي يسير ليلا في طلب الماء ويكون مسرعا، ونسل: أسرع، وأصل النسلان في الذئب ثم استعمل في غيره، يقال: نسل ينسل ـ بالكسر ـ وينسل ـ بالضم ـ نسلا ـ بالسكون ـ ونسلا ـ بالتحريك: أسرع في مشيه.
[8280]:حديث أبي سعيد الخدري عن يأجوج ومأجوج حديث طويل، والرواية المذكورة هنا أخرجها ابن جرير من طريق ابن عطية، أما الرواية الأخرى فقد قال في الدر المنثور: أخرج أحمد، وأبو يعلى، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال الله: {من كل حدب ينسلون}، فيغشون الناس، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض حتى يتركةها يبسا، حتى إن بعضهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ههنا مرة ماء...الخ".
[8281]:حديث حذيفة أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، وفي هذا الحديث تفسير للمراد بالنغف، إذ جاء فيه: (فيبعث الله عليهم دابة يقال لها: تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى).