نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

ولما أمر بالتأني الذي هو نتيجة العلم ، عطف على ذلك الإخبار بالاستجابة قوله : { وجاوزنا } أي فعلنا بعظمتنا في إجازتهم فعل المناظر للآخر المباري له ، ودل بإلصاق الباء بهم على مصاحبته سبحانه لهم دلالة على رضاه بفعلهم فقال : { ببني إسرائيل } أي عبدنا المخلص لنا { البحر } إعلاماً بأنه أمرهم{[38388]} بالخروج من مصر وأنجز لهم ما وعد فأهلك فرعون وملأه باتباعهم سبيل من لا يعلم بطشهم وعدم صبرهم ، ونجى بني إسرائيل بصبرهم وخضوعهم ؛ والالتفات من الغيبة إلى التكلم لما في هذه المجاوزة ومقدماتها ولواحقها من مظاهر العظمة ونفوذ الأوامر ومضاء الأحكام ؛ وبين سبحانه كيفية إظهار استجابة الدعوة بقوله مسبباً عن المجاوزة : { فأتبعهم } أي بني إسرائيل { فرعون وجنوده } أي أوقعوا تبعهم أي حملوا نفوسهم على تبعهم ، وهو السير في أثرهم ، واتبعه - إذا سبقه فلحقه ، ويقال : تبعه في الخير واتبعه في الشر . ولما أفهم ذلك ، صرح به فقال : { بغياً } أي تعدياً للحق واستهانة بهم { وعدواً } أي ظلماً وتجاوزاً للحد .

ولما كان فاعل ذلك جديراً بأن يرجع عما سلكه من الوعورة ، عجب منه في تماديه فقال - عاطفاً على ما تقديره : واستمر{[38389]} يتمادى في ذلك - : { حتى } ولما كانت رؤية انفراج البحر عن مواضع سيرهم مظنة تحقق رجوع الماء إلى مواضعه فيغرق ، عبر بأداة التحقق فقال : { إذا أدركه } أي قهره وأحاط به { الغرق } أي الموت بالماء كما سأل موسى في{[38390]} أنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم { قال آمنت } أي أوقعت إيمان الداعي{[38391]} لي من التكذيب ؛ ثم علل إيمانه بقوله مبدلاً من { آمنت } في قراءة حمزة والكسائي بالكسر مؤكداً من شدة الجزع : { أنه } و{[38392]} على تقدير الباء تعليلاً في قراءة الجماعة أي{[38393]} معترفاً بأنه { لا إله إلا الذي } ويجوز أن يكون أوقع { آمنت } على { أنه } وما بعدها - أي { آمنت } نفي الإلهية عن كل شيء غير من استثنيته من أن أعبره أو أرجع عنه .

ولما كان قد تحقق الهلاك وعلم أنه لا نجاة إلا بالصدق ، أراد الإعلام بغاية صدقه فقال : { آمنت } أي أوقعت التصديق معترفة { به بنو إسرائيل } فعينه تعييناً أزال الاحتمال ؛ ثم قال : { وأنا من المسلمين* } {[38394]}فكرر قبول{[38395]} ما كان دعي إليه فأباه استكباراً ، وعبر بما دل على ادعاء الرسوخ فيه بياناً لأنه ذل ذلاً لم يبق معه شيء من ذلك الكبر{[38396]} ولم ينفعه ذلك لفوات شرطه ، فاتصل ذله ذلك بذل الخزي في البرزخ وما بعده ، وقد كانت المرة الواحدة كافية له عند وجود الشرط ،


[38388]:في ظ: أمر.
[38389]:زيد من ظ.
[38390]:زيد من ظ.
[38391]:في ظ: الدعا.
[38392]:زيد من ظ.
[38393]:في ظ: أنه.
[38394]:في الأصل: فكرره قبول، وفي ظ: كرر قول.
[38395]:في الأصل: فكرره قبول، وفي ظ: كرر قول.
[38396]:في ظ: الأمر.