السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

فلما سمع أنهم خرجوا وعزموا على مفارقة مملكته خرج في عقبهم كما قال تعالى : { وجاوزنا } أي : قطعنا { ببني إسرائيل } أي : عَبَدَنَا المخلص لنا { البحر } حتى بلغوا الشط حافظين لهم { فأتبعهم فرعون وجنوده } أي : لحقهم وأدركهم يقال : تبعه وأتبعه إذا أدركه ولحقه { بغياً وعدواً } أي : ظلماً وعدواناً . وقيل : بغياً في القول وعدواً في الفعل ، فلما أدركهم فرعون قالوا لموسى : أين المخلص والمخرج ، البحر أمامنا وفرعون وراءنا ، قد كنا نلقى من فرعون البلاء العظيم ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق لموسى وقومه فكان كل فرق كالطود العظيم ، وكشف عنه وجه الأرض ، وانتشر لهم البحر ، فلما وصل فرعون إلى البحر هابوا دخوله ، وكان فرعون على حصان أدهم وكان معه في عسكره ثمانمائة ألف حصان على لون حصانه ، وميكائيل يسوقهم حتى لم يشذ منهم أحد ، فلما خرج آخر بني إسرائيل من البحر تقدّمهم جبريل على فرس وخاض البحر ، فلما وجد الحصان ريح الأنثى لم يملك فرعون من أمره شيئاً ، فنزل البحر وأتبعه جنوده ، حتى إذا كملوا جميعاً في البحر وهمّ أوّلهم بالخروج التطم البحر عليهم ، فلما أتاه الغرق أتى بكلمة الإخلاص كما قال تعالى : { حتى إذا أدركه الغرق } أي : لحقه { قال آمنت أنه } أي : بأنه { لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } . فإن قيل : إنه آمن ثلاث مرات أولها قوله : { آمنت } . وثانيها : قوله : { لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } . وثالثها : قوله : { وأنا من المسلمين } . فما السبب في عدم القبول ؟ أجاب : العلماء عن ذلك بأجوبة منها : أنه إنما آمن عند نزول العذاب ، والإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبول ، ويدلّ عليه قوله تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } [ غافر ، 85 ] .