تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

وقوله تعالى : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ ) هذا ظاهر . وفي قوله ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) دلالة خلق أفعال العباد لأنه أضاف إلى نفسه ؛ جاوز بهم ، وبنو إسرائيل هم الذين تجاوزوا . دل ذلك أنه خالق فعلهم .

وأما قوله : ( حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ) أي حتى إذا غرق لأنه ذكر في بعض القصة أن فرعون لما ساحل البحر ، فرأى البحر منفرجا ، قال[ في الأصل وم : فقال ] : إنما انفرج /234-أ/ البحر لي ، فلما دخل غرق ، فعند ذلك قال غريقا ( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) ثم إيمانه لم يقبل في ذلك الوقت لوجهين :

أحدهما : لما يحتمل أن يكون إيمانه عند رؤية البأس وخوف الهلاك ، فهو إيمان دفع البأس لا إيمان حقيقة ، وهو على ما أخبر عن إيمان الكفرة في الآخرة لما عاينوا العذاب كقولهم : ( ربنا آخرنا إلى آجل )[ السجدة : 12 ] وكقولهم ( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل )[ فاطر : 37 ] وأمثاله : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه )[ الأنعام : 28 ] فما عاينوا عم من العذاب أكبر وأشد مما عاين فرعون .

ثم أخبر أنهم ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) إلى ما كانوا يعملون ، لكنهم قالوا ذلك قول دفع . فعلى ذلك إيمان فرعون إيمان دفع البأس عن نفسه لا إيمان حقيقة واختيار .

والثاني : إن الإيمان والإسلام هو تسليم النفس إلى الله ، فإذا آمن في وقت خرجت نفسه من يده لم يصر مسلما نفسه إلى الله ؛ إذ نفسه ليست في يده ، ولذلك لم يقبل الإيمان في ذلك الوقت وقت الإشراف على الهلاك .

ويحتمل وجها آخر ، وهو أن الإيمان بالله لا يكون بالاستدلال بالشاهد على الغائب إذ لا يكون ذلك إلا بالنظر والتفكر ، وفي ذلك الوقت لا يمكن النظر والتفكر . لذلك لم يكن إيمان حقيقة والله أعلم .