تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

{ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ 90 آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 91 فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ 92 }

المفردات :

وجاوزنا ببني إسرائيل البحر : أي : وجعلناهم يجاوزونه ويعبرونه من الغرب إلى الشرق حتى وصلوا إلى شاطئه الشرقي .

فأتبعهم فرعون : أي : تبعهم حتى اقترب منهم ، تقول : تبعته حتى أتبعته ، إذا كان قد سبقك فلحقته .

بغيا وعدوا : أي : ظلما ، وتجاوزا للحد فيه .

حتى إذا أدركه الغرق : أي : حتى إذا لحقه الغرق .

التفسير :

90 { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا . . . } الآية .

لما أعلم الله تعالى موسى وهارون باستجابة دعائهما على فرعون وقومه ، أمرهما أن يخرجا ببني إسرائيل من مصر ليلا ، فخرجا بهم على حين غفلة من فرعون وقومه ، فلما علم فرعون بخروجهم ؛ خرج هو وجنوده على إثرهم مسرعين في طلبهم بغيا وعدوانا ، والتفت بنو إسرائيل فإذا الطامة الكبرى وراءهم ؛ فقال بنو إسرائيل : يا موسى ، العدو وراءنا والبحر أمامنا ! فقال موسى : { إن معي ربي سيهدين } . ( الشعراء : 62 ) .

فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر ( وهو بحر القلزم المسمى : البحر الأحمر ، بحر السويس ) فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، أي : كالجبل العظيم ، وصار اثني عشر طريقا لكل سبط طريق وأمر الله الريح فنشّفت أرضه ، وسارت بنو إسرائيل في هذه الطرق اليابسة ، وعبرت إلى الشاطئ الآخر ، ووصل فرعون وجنوده إلى الساحل ، وكان طريق بني إسرائيل في البحر لا يزال باقيا ، فسار فيه فرعون بجنوده ، فلما اكتملوا جميعا فيه ، وهم أولهم بالخروج ، أمر الله العلي القدير البحر أن يرتطم عليهم ، فارتطم عليهم ، فارتطمت عليهم فلم ينج منهم أحد ، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم ، وتراكمت الأمواج فوق فرعون ، وغشيته سكرات الموت .

قال : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا } .

أي : جعلنا بني إسرائيل يجاوزون البحر ويعبرونه ، من الغرب إلى الشرق حتى وصلوا إلى شاطئه الشرقي ، ثم دخل فرعون وجنوده في إثرهم ، فأطبق الله عليهم البحر ، وشاهد بنو إسرائيل جموعهم تنجو من فرعون وجنوده ، كما شاهدوا فرعون وجنوده غرقى في قلب البحر .

قال تعالى : { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون } . ( البقرة : 50 ) .

{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } .

كان فرعون في مرحلة الغرغرة ، ورأى الموت رأى العين ؛ فاعترف بالإيمان اعترافا مكررا ثلاث مرات :

1 قال : آمنت .

2 أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل .

3 وأنا من المسلمين .

وهو في كل ذلك يحاول أن يفلت من الموت ؛ فأعلن إيمانه وشهد بأن الإله الذي آمنت به بنو إسرائيل ، هو الإله الحق الواحد الأحد ، وأظهر إسلامه واستسلامه لهذا الدين ، ولهذا الطريق ، الذي حاربه بالأمس ، وادعى الألوهية ، وحرم على بني إسرائيل العبادة في دور العبادة . بيد أن هذه التوبة جاءت متأخرة ؛ لأنها جاءت بعد أن يئس من الحياة وشاهد الموت .

قال تعالى : { من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها واله خبير بما تعملون } . ( المنافقون : 10 ، 11 ) .

فالله تعالى يقبل توبة العبد ما دام في هده الدنيا فإذا بلغت الروح الحلقوم ؛ فقد انتهت الحياة وأغلق باب التوبة ، قال تعالى : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } . ( غافر : 84 ، 85 ) .

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي : أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال : ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) . xxxii والغرغرة : حشرجة الموت .