البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

قرأ الحسن وجوَّزنا بتشديد الواو ، وتقدّم الكلام في الباء في ببني إسرائيل ، وكم كان الذين جازوا مع موسى عليه السلام في سورة الأعراف .

وقرأ الحسن وقتادة فاتبعهم بتشديد التاء .

وقرأ الجمهور : وجاوزنا فاتبعهم رباعياً ، قال الزمخشري : وليس من جوز الذي في بيت الأعشى :

وإذا تجوزها جبال قبيلة *** لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال : وجوزنا ببني إسرائيل في البحر كما قال :

كما جوز السبكي في الباب فينق *** انتهى

وقال الحوفي : تبع واتبع بمعنى واحد .

وقال الزمخشري : فاتبعهم لحقهم ، يقال : تبعه حتى اتبعه .

وفي اللوامح : تبعه إذا مشى خلفه ، واتبعه كذلك ، إلا أنه حاذاه في المشي واتبعه لحقه ، ومنه العامة يعني : ومنه قراءة العامة فاتبعهم وجنود فرعون قيل : ألف ألف وستمائة ألف .

وقيل : غير ذلك .

وقرأ الحسن : وعدوا على وزن علو ، وتقدمت في الإنعام .

وعدوا وعدوّا من العدوان ، واتباع فرعون هو في مجاوزة البحر .

روي أن فرعون لما انتهى إلى البحر فوجده قد انفرق ومضى فيه بنو إسرائيل قال لقومه : إنما انفلق بأمري ، وكان على فرس ذكر فبعث الله إليه جبريل عليه السلام على فرس أنثى ، ودنوا فدخل بها البحر ولج فرس فرعون ورآه وجنب الجيوش خلفه ، فلما رأى أنّ الانفراق ثبت له استمر ، وبعث الله ميكائيل عليه السلام يسوق الناس حتى حصل جميعهم في البحر فانطبق عليهم .

وقرأ الجمهور : أنه بفتح الهمزة على حذف الباء .

وقرأ الكسائي وحمزة : بكسرها على الاستئناف ابتداء كلام ، أو بدلاً من آمنت ، أو على إضمار القول أي : قائلاً إنه .

ولما لحقه من الدهش ما لحقه كرر المعنى بثلاث عبارات ، إما على سبيل التلعثم إذ ذلك مقام تحار فيه القلوب ، أو حرصاً على القبول ولم يقبل الله منه إذ فاته وقت القبول وهو حالة الاختيار وبقاء التكليف ، والتوبة بعد المعاينة لا تنفع .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده } وتقدم الخلاف في قراءة آلآن في قوله : { آلآن وقد كنتم } والمعنى : أتؤمن الساعة في حال الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك ؟ قيل : قال ذلك حين ألجمه الغرق .

وقيل : بعد أنْ غرق في نفسه .

قال الزمخشري : والذي يحكى أنه حين قال : آمنت ، أخذ جبريل من حال البحر فدسه في فيه ، فللغضب في الله تعالى على حال الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه .

وأما ما يضم إليه من قولهم خشيت أن تدركه رحمة الله تعالى فمن زيادات الباهتين لله تعالى وملائكته ، وفيه جهالتان : إحداهما : أنّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس ، فحال البحر لا يمنعه .

والآخر : أن من كره الإيمان للكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر ، لأنّ الرضا بالكفر كفر .