الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

قوله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي } : قد تقدَّم الكلام فيه . وقرأ الحسن " وجَوَّزْنا " بتشديدِ الواو ، قال الزمخشري : " وجَوَّزْنا : مِنْ أجاز المكان وجاوَزَه وجَوَّزه ، وليس مِنْ جَوَّز الذي في بيت الأعشى :

وإذا تُجَوِّزُها حبالُ قبيلة *** أَخَذْتَ من الأخرى إليك حبالَها

لأنه لو كان منه لكان حَقُّه أن يقال : وجَوَّزْنا بني إسرائيل في البحر كما قال :

2627 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كما جَوَّز السَّكَّيَّ في الباب فَيْتَقُ

يعني أن فَعَّل بمعنى فاعَلَ وأَفْعَل ، وليس التضعيفُ للتعدية ، إذ لو كان كذلك لتعدَّى بنفسه كما في البيت المشار إليه دون الباء .

وقرأ الحسن " فاتَّبَعَهُم " بالتشديد ، وقد تقدم الفرق .

قوله : { بَغْياً وَعَدْواً } يجوز أن يكونا مفعولين مِنْ أجلهما أي : لأجلِ البَغْي والعَدْوِ ، وشروطُ النصب متوفرةٌ ، ويجوزُ أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي : باغين متعدِّين . وقرأ الحسن " وعُدُوَّاً " بضم العين والدال المشددة ، وقد تقدَّم ذلك في سورة الأنعام .

قوله : { حَتَّى إِذَآ } غايةٌ لاتِّباعه .

قوله : { آمَنتُ أَنَّهُ } قرأ الأخَوان بكسر إنَّ وفيها أوجه ، أحدها : أنها استئنافُ إخبار ، فلذلك كُسِرت لوقوعِها ابتداءَ كلام . والثاني : أنه على إضمار القول أي : فقال إنه ، ويكون هذا القولُ مفسراً لقوله آمنت . والثالث : أن تكون هذه الجملةُ بدلاً من قوله : " آمنت " ، وإبدالُ الجملةِ الاسمية من الفعلية جائزٌ لأنها في معناها ، وحينئذ تكون مكسورةً لأنها محكيَّة ب " قال " هذا الظاهر . والرابع : أن " آمنتُ " ضُمِّن معنى القول لأنه قولٌ . وقال الزمخشري : " كَرَّر المخذولُ المعنى الواحدَ ثلاثَ مرات في ثلاث عبارات حِرْصاً على القبول " يعني أنه قال : " آمنتُ " ، فهذه مرة ، وقال : { أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ } فهذه ثانيةٌ ، وقال : { وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فهذه ثالثةٌ ، والمعنى واحد " وهذا جنوحٌ منه إلى الاستئنافِ في " إنه " .

وقرأ الباقون بفتحِها وفيها أوجهٌ أيضاً ، أحدُها : أنها في محلِّ نصب على المفعولِ به أي : آمَنْتُ توحيدَ ، لأنه بمعنى صدَّقْتُ . الثاني : أنها في موضع نصبٍ بعد إسقاط الجارِّ أي : لأنه . الثالث : أنها في محل جر بذلك الجارِّ وقد عَرَفْتَ ما فيه من الخلاف .