إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (90)

{ وَجَاوَزْنَا ببني إسرائيل البحر } هو من جاوز المكانَ إذا تخطاه وخلفه والباء للتعدية أي جعلناهم مجاوزين البحرَ بأن جعلناه يبساً وحفِظناهم حتى بلغوا الشط وقرىء جوّزنا وهو من التجويز المرادفِ للمجاوزة لا مما هو بمعنى التنفيذ نحو ما وقع في قول الأعشى : [ الطويل ]

كما جوّز السّكِّيَّ في الباب فيتقُ{[396]} *** . . .

وإلا لقيل : وجوزنا بني إسرائيلَ في البحر ولخلا النظمُ الكريم عن الإيذان بانفصالهم عن البحر وبمقارنة العنايةِ الإلهية لهم عنَوا الجوازَ كما هو المشهور في الفرق بين أذهبه وذهَب به { فَأَتْبَعَهُمْ } يقال : تبِعتُه حتى أتبعتُه إذا كان سبقك فسبقتَه أي أدركهم ولحِقهم { فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } حتى تراءت الفئتان وكاد يجتمع الجمعان { بَغْيًا وَعَدْوًا } ظلماً واعتداءً أي باغين وعادين أو للبغي والعدوان وقرىء وعدواً وذلك أن موسى عليه السلام خرج ببني إسرائيلَ على حين غفلةٍ من فرعون فلما سمع به تبِعهم حتى لحِقهم ووصل إلى الساحل وهم قد خرجوا من البحر ومسلُكهم باق على حاله يبَساً فسلكه بجنوده أجمعين فلما دخل آخرُهم وهم أولُهم بالخروج غشِيهم من اليم ما غشيهم { حتى إِذَا أَدْرَكَهُ الغرق } أي لحِقه وألجمه { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ } أي بأنه والضميرُ للشأن وقرىء أنه على الاستئناف بدلاً من آمنت وتفسيراً له { لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إسرائيل } لم يقل كما قاله السحرةُ : آمنا بربّ العالمين ربَّ موسى وهارون بل عبر عنه تعالى بالموصول وجعل صلتُه إيمانَ بني إسرائيل به تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعاً في القبَول والانتظامِ معهم في سلك النجاة { وَأَنَاْ مِنَ المسلمين } أي الذين أسلموا نفوسَهم لله أي جعلوها سالمةً خالصةً له تعالى وأراد بهم إما بني إسرائيلَ خاصةً وأما الجنسَ وهم داخلون فيه دخولاً أولياً ، والجملةُ على الأول عطفٌ على آمنت ، وإيثار الاسميةِ لادعاء الدوامِ والاستمرارِ وعلى الثاني يحتمل الحاليةَ أيضاً من ضمير المتكلمِ أي آمنتُ مخلصاً لله منتظماً في سلك الراسخين فيه ، ولقد كُرّر المعنى الواحد بثلاث عباراتٍ حرصاً على القبول المفضي إلى النجاة وهيهاتَ هيهاتَ بعد ما فات وأتى ما هو آتٍ .


[396]:البيت في ديوان الأعشى ص 273؛ ولسان العرب (فتق، سكك) وتهذيب اللغة 9/63؛ وكتاب الجيم 3/66؛ ومقاييس اللغة 4/471؛ وكتاب العين 5/272؛ وتاج العروس (فتق)؛ وبلا نسبة في المخصص 5/132 والسكي: المسمار. والفيتفق : البواب أو الحداد.