نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

ولما كانوا ربما قالوا : ما لك لا تحدثنا من هذه الكلمات بكل ما نسألك عنه حيثما سألناك{[47619]} ؟ وكانوا قد استنكروا{[47620]} كون النبي بشراً ، وجوزوا كون الإله{[47621]} حجراً ، {[47622]}وغيوا إيمانهم به بأمور سألوه في الإتيان بها كما تقدم بعد أول مسائلهم ، وهي الروح آخر سبحان ، وكان قد ثبت بإجابتهم عن المسائل على هذا الوجه أنه رسول{[47623]} ، أمره سبحانه أن{[47624]} يجيبهم عن ذلك كله{[47625]} بما يرد عليهم {[47626]}غلطهم ، ويفضح شبههم{[47627]} ، إرشاداً لهم إلى أهم ما يعنيهم {[47628]}من الحرف الذي النزاع كله دائر عليه وهو التوحيد{[47629]} فقال : { قل إنما أنا } {[47630]}أي في الاستمداد بالقدرة على إيجاد المعدوم والإخبار{[47631]} بالمغيب { بشر مثلكم } {[47632]}أي لا أمر لي ولا قدرة إلا على ما يقدرني عليه ربي ، ولا استبعاد لرسالتي من الله فإن ذلك سنته فيمن قبلي{[47633]} { يوحى إليّ } أي{[47634]} من الله الذي خصني بالرسالة كما أوحى إلى الرسل قبلي ما لا غنى لأحد عن علمه واعتقاده { أنما إلهكم } {[47635]}وأشار إلى أن إلهيته بالإطلاق لا بالنظر إلى{[47636]} جعل جاعل ولا غير ذلك فقال : { إله واحد } أي{[47637]} لا ينقسم بمجانسة ولا غيرها ، قادر على ما يريد ، لا منازع له ، لم يؤخر جواب ما سألتموني عنه من عجز ولا جهل ولا{[47638]} هوان بي{[47639]} عليه - هذا هو الذي يعني كلَ أحد علمه ، وأما ما سألتم عنه من أمر الروح والقصتين تعنتاً فأمر لو جهلتموه ما ضركم جهله ، وإن اتبعتموني علمتموه الآن وما دل عليه من أمر الساعة إيماناً بالغيب علم اليقين ، وعلمتموه بعد الموت بالمشاهدة عين اليقين ، وبالمباشرة حق اليقين ، وإن لم تتبعوني لم ينفعكم علمه { فمن } أي فتسبب عن وحدته المستلزمة لقدرته أنه من { كان يرجوا } {[47640]}أي يؤمن بمجازاته له على أعماله في الآخرة برؤيته وغيرها{[47641]} ، وإنما قال : { لقاء ربه } تنبيهاً على أنه هو المحسن إلى كل أحد بالتفرد بخلقه ورزقه ، لا شريك له في شيء من ذلك على قياس ما نعلمه من أنه لا مالك إلا وهو قاهر لمملوكه على لقائه ، مصرف له في أوامره في صباحه ومسائه .

{[47642]}ولما كان الجزاء من جنس العمل ، كان الواجب على العبد الإخلاص في عمله ، كما كان عمل ربه في تربيته بالإيجاد وما بعده ، فقال{[47643]} : { فليعمل } {[47644]}وأكده للإعلام بأنه لا بد مع التصديق من الإقرار فقال{[47645]} : { عملاً } أي{[47646]} ولو كان قليلاً { صالحاً } وهو ما {[47647]}يأمره به{[47648]} {[47649]}من أصول الدين وفروعه من التوحيد وغيره من أعمال القلب والبدن والمال{[47650]} ليسلم من عذابه { ولا يشرك } أي وليكن ذلك العمل مبنياً على الأساس وهو أن لا يشرك ولو بالرياء { بعبادة ربه أحداً * } فإذا عمل ذلك{[47651]} فاز فحاز علوم الدنيا والآخرة ، وقد انطبق آخر السورة على أولها بوصف كلمات الله ثم ما يوحى إليه ، وكل منهما أعم من الكتاب بالأقومية للدعاء إلى الحال الأسلم ، في الطريق الأقوم ، وهو التوحيد عن الشريك الأعم من الولد وغيره ، والإحسان في العمل ، مع البشارة لمن آمن ، والنذارة لمن أعرض عن الآيات والذكر ، فبان بذلك أن لله{[47652]} تعالى - بوحدانيته وتمام علمه وشمول قدرته صفات - الكمال ، فصح أنه المستحق لجميع الحمد - والله الموفق ، والحمد لله على إتمام سورة الكهف من كتاب نظم الدرر من تناسب الآي والسور .

ختام السورة:

وقد انطبق آخر السورة على أولها بوصف كلمات الله ثم ما يوحى إليه ، وكل منهما أعم من الكتاب بالأقومية للدعاء إلى الحال الأسلم ، في الطريق الأقوم ، وهو التوحيد عن الشريك الأعم من الولد وغيره ، والإحسان في العمل ، مع البشارة لمن آمن ، والنذارة لمن أعرض عن الآيات والذكر ، فبان بذلك أن لله تعالى - بوحدانيته وتمام علمه وشمول قدرته صفات - الكمال ، فصح أنه المستحق لجميع الحمد - والله الموفق ، {[1]}والحمد لله على إتمام سورة الكهف من كتاب نظم الدرر من تناسب الآي والسور{[2]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[47619]:من ظ ومد وفي الأصل: سالتك.
[47620]:في ظ: استذكروا.
[47621]:من ظ ومد وفي الأصل: آلهة.
[47622]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47623]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47624]:من ظ ومد وفي الأصل: إنه.
[47625]:سقط من ظ ومد.
[47626]:في ظ: الأمرين معا.
[47627]:في ظ: الأمرين معا.
[47628]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47629]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47630]:العبارة من هنا إلى "بالمغيب" ساقطة من ظ.
[47631]:زيد في الأصل: ولا استبعاد ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[47632]:تكرر ما بين الرقمين في مد بعد "قل إنما أنا".
[47633]:تكرر ما بين الرقمين في مد بعد "قل إنما أنا".
[47634]:زيد من مد.
[47635]:العبارة من هنا إلى "ذلك فقال" ساقطة من ظ.
[47636]:زيد في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[47637]:سقط من ظ.
[47638]:سقط من مد.
[47639]:زيد من ظ ومد.
[47640]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47641]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47642]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47643]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47644]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47645]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47646]:سقط من ظ.
[47647]:من ظ ومد، وفي الأصل: يومن ربه – كذا.
[47648]:من ظ ومد وفي الأصل: يومن ربه – كذا.
[47649]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47650]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[47651]:زيد من ظ ومد.
[47652]:من ظ ومد، وفي الأصل: الله.