التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص

في السورة تقرير العقيدة الإسلامية بذات الله بأسلوب حاسم وقطعي ووجيز . وأسلوبها عام التوجيه والتقرير .

وهناك روايات تذكر أنها مدنية ، وأخرى تذكر أنها مكية .

والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي مكيتها ، كما أنها مكية في التراتيب الكاملة المروية الأخرى{[1]} .

ومن أسمائها " الصمد " ، وبذلك يتم الاتساق في تسميتها مع أسلوب تسمية السورة بصورة عامة .

ولقد روى البخاري وأبو داود عن أبي سعيد : ( أن رجلا سمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها . فقال رسول الله : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " {[2]} .

وروى الشيخان والترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن " ؟ قالوا : وكيف يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ قال : { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن " {[3]} .

وحديث رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احشدوا ، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . فحشد من حشد ، فخرج نبي الله فقرأ : { قل هو الله أحد } ، ثم دخل ، فقال بعضنا لبعض : إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء ، فذاك الذي أدخله ، ثم خرج نبي الله فقال : " إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا إنها تعدل ثلث القرآن " {[4]} .

وروى مسلم حديثا جاء فيه : ( بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على سرية ، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب{ قل هو الله أحد } ، فلما رجعوا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله يحبه " {[5]} .

وروى الترمذي عن أنس قال : " كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، فكان كلما أمّهم في الصلاة قرأ ب{ قل هو الله أحد } ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه : إما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى . فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت ، وإن كرهتم تركت . وكانوا يرونه أفضلهم ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ما يمنعك مما يأمرك به أصحابك ؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة " ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أحبها ، فقال : " إن حبها أدخلك الجنة " {[6]} .

وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : ( أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع رجلا يقرأ : { قل هو الله أحد الله الصمد } فقال رسول الله : " وجبت " ، قلت : وما وجبت ؟ قال : " الجنة " {[7]} .

وروى الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ كل يوم مائتي مرة { قل هو الله أحد } محي عنه ذنوب خمسين سنة ، إلا أن يكون عليه دين " {[8]} .

وروى الإمام أحمد عن أنس بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة " {[9]} .

وروى النسائي عن معاذ بن عبد الله ، عن أبيه قال : ( أصابنا عطش وظلمة ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا ، فخرج فقال : " قل " ، قلت : ما أقول ؟ قال : " قل { هو الله أحد } والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا يكفك كل شيء " {[10]} .

حيث ينطوي في الأحاديث تنويه بفضل هذه السورة ، وحث على قراءتها ، من حكمتها المتبادرة ما انطوت فيه من إعلان الإيمان بوحدة الله التامة ، المنزهة عن كل شائبة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ قل هو الله أحد( 1 ) الله الصمد( 2 )1 لم يلد ولم يولد( 3 ) ولم يكن له كفوا2 أحد( 4 ) } [ 1-4 ]

في الآيات أمر رباني للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلن صفات الله عز وجل ، وهي أنه واحد أحد ، المصمود إليه في الحاجات ، المستغني عن غيره ، لم يلد ولم يولد ، وليس له مماثل ولا ند .

وقد روي أن بعض العرب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسب لهم ربه ، فأوحى الله بهذه السورة كما روي أن السؤال من اليهود{[2627]} .

وهناك حديثان صحيحان في صدد السورة ومعناها ونزولها ، واحد رواه الترمذي عن أبي بن كعب قال : ( إن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } فالصمد الذي { لم يلد ولم يولد } ؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، ولا شيء يموت إلا سيورث ، والله عز وجل لا يموت ولا يورث { ولم يكن له كفوا أحد } قال : لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء " {[2628]} . وثان رواه البخاري عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي أن يقول : إني لن أعيده كما بدأته ، وأما شتمه إياي أن يقول : اتخذ الله ولدا ، وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفوا أحد " {[2629]} .


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[4]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[5]:انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري
[6]:تفسير الخازن
[7]:التاج ج 2 ص 300 والمقصود أن الحمو هو غير المحرم من أقارب الزوج.
[8]:التاج ج 2 ص 301
[9]:التاج ج 2 ص 301
[10]:المصدر نفسه ص 300
[2627]:- انظر تفسير السورة في تفسير الطبري.
[2628]:- التاج جـ 4 ص 269.
[2629]:- التاج جـ 4 ص 269.