التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

3 معقبات : موكلون يتعاقبون على مراقبته .

4 من أمر الله : بمعنى بأمر الله .

5 وال : ملجأ وولي .

تعليق على جملة

{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له }

والجملة الأولى جديرة بالتنويه لما تحتويه من تقرير لناموس إلهي اجتماعي يتقلب البشر وفقه بين النعم والنقم والصلاح والفساد وبالتالي لما تحتويه من تلقين جليل مستمر المدى ؛ حيث قصدت تقرير كون النعم والنقم والخيرات والويلات لا تأتي على الناس عفوا ، وإنما هي منوطة بسلوكهم وسيرتهم . فإذا كانوا متمتعين بالقوة والعزة والنجاح والصلاح فإنما يكون ذلك بسبب ما يقوم عليه سلوكهم من أسس الاستقامة والحق فلا تتبدل حالتهم من الحسن إلى السيئ إلا إذا انحرفوا عن الطريق القويم الذي يسيرون فيه . وإذ كانوا ضعافا يقاسون الويل والذل والفقر والفوضى فإنما يكون هذا بسبب ما يقوم عليه سلوكهم من انحراف وإهمال وفساد فلا تتبدل حالتهم من السيئ إلى الحسن إلا إذا عدلوا عما هم فيه وساروا في طريق الصلاح والاستقامة . وفي هذا ما هو ظاهر من الاتساق مع حقائق الأشياء . والإطلاق في الجملة يجعل مداها المشروح شاملا لجميع الناس والبيئات والطبقات والملل والنحل والحالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؛ ولذلك فإنها تصح أن تعد من أمهات وجائز الحكم والأمثال والشواهد القرآنية البليغة . وفي سورة الأنفال آية فيها بعض المشابهة لهذه وهي : { ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } . [ 53 ] على أن الجملة التي نحن في صددها أشمل بسبب إطلاقها الذي يتناول حالتي النعمة والنقمة معا .

وفي الجملة كما هو واضح صراحة بأن الناس يتحملون مسؤولية كسبهم بقابليتهم لتغيير ما في أنفسهم بإرادتهم مما هو متسق مع التقريرات القرآنية التي نبّهنا عليها في المناسبات العديدة السابقة .

أما الجملة الثانية فليس فيها ما يفيد أن إرادة الله تعالى بقوم سوءا تكون جزافا وبدون سبب . بل إن الجملة الأولى من الآية تمنع ورود هذا الخاطر . وكل ما أرادت تقديره هو عدم قدرة أحد على منع السوء الذي تشاء حكمته إنزاله بقوم ما . وروح الجملة الأولى قوية الإلهام بأن ذلك إنما يكون حين ينحرف القوم عن الحق والهدى إلى البغي والضلال فيغير الله ما بهم وينزل نقمته عليهم . وهناك آيات فيها توضيح وتفسير ودعم حاسم لذلك . منها آية سورة القصص هذه : { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون 59 } وآية سورة هود هذه : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون 117 } .