التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحج

في السورة إنذار بالقيامة وهولها . وتدليل على قدرة الله على بعث الناس ومحاسبتهم . وتنديد بفئات من الكفار وذوي القلوب المريضة وتنويه بالمؤمنين . وإنذار رهيب للأولين وبشرى للآخرين . وتوبيخ للكفار على صدّهم عن المسجد الحرام . وبيان عن صلة إبراهيم بالكعبة والحج . واستطراد إلى مناسك الحج وبخاصة ما يتعلق بالقرابين وإقرارها بعد تنقيتها من شوائب الشرك . وبشرى للمهاجرين بنصر الله وعنايته في حالتي الموت والحياة . وتقرير باعتبار المسلمين مظلومين بما كان من قتال المشركين لهم وأذاهم . وتقرير حق الدفاع لهم وتقرير ما يمكن أن يكون من سعادة المجتمع إذا تمكنوا في الأرض حيث يقيمونه على أساس قويم من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر . وتطمين وتثبيت للنبي إزاء عناد الكفار وتذكير بآثار عظمة الله في كونه . وبعذاب الله للأمم السابقة لكفرها وتكذيبها لرسلها ، ومشاهد ومواقف جدلية . وختام قوي موجّه للمسلمين ، منوّه بالمكانة العظمى التي خصّوا بها ، احتوى فيما احتواه تقرير نسبة العرب بالأبوة إلى إبراهيم عليه السلام وما جعل الله لهم من مزيّة ليكونوا شهداء على الناس .

والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن هذه السورة مدنية ، في حين أن المفسرين البغوي والنيسابوري والزمخشري والطبرسي والخازن والبيضاوي والنسفي يروون أنها مكية ، وبعضهم يذكر أن بعض آيات منها مدنية .

والآيات المرويّة مدنيتها هي [ 19-22 ] في رواية و[ 19-24 ] في رواية أخرى ، ثم الآيات [ 38-41 و52-55 و58-60 ]

والمتمعن في الآيات [ 19-24 ] ومضمونها ، يجد أن أسلوبها ومضمونها مكّيان أكثر من كونهما مدنيين . وكذلك الآيات [ 52-55 ] . أما الآيات [ 38-41 و58-60 ] فقد يؤيّد أسلوبها ومضمونها مدنيتها ، مع احتمال أن تكون – وبخاصة الآيات [ 38-41 ] – مكية أيضا ؛ لأن أسلوبها ومضمونها يسوغان تخمين ذلك .

وهناك آيات لم يذكرها الرواة في عداد الآيات المدنية على ما اطّلعنا عليه ، مع أن مضمونها قد يسوغ بل قد يرجّح مدنيتها وهي الآيات [ 25-27 ] ثم الآيتان الأخيرتان من السورة اللتان يحتمل أن تكون مدنيتين أيضا على ما سوف نشرحه بعد .

وعلى كل حال ، فإن أسلوب معظم آيات السورة ومضمونها يسوغان ترجيح صحّة رواية مكّيتها ، مع احتمال أن تكون بعض آياتها مدنية .

وفي هذه السورة موضعان يسجد عندهما سجود تلاوة ، وهما الآيتان [ 18 و77 ] وقد ورد في صدد ذلك حديث رواه أبو داود والترمذي والحاكم عن عقبة بن عامر قال : «قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله في سورة الحجّ سجدتان قال : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما » {[1]} . وروى هذا الحديث الإمام أحمد بفرق مهم وهو أن عقبة قال : «يا رسول الله ، أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم » {[2]} . وهناك حديث رواه أبو داود عن خالد بن معدان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين » {[3]} . وحديث رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي عن أبي الجهم قال : «سجد عمر سجدتين في الحجّ – أي في سورة الحجّ- وهو بالجابية ، وقال : إنّ هذه فضَلَت بسجدتين » {[4]} .

والحديث الأول وارد في كتاب من كتب الأحاديث الصحيحة ، والأحاديث الأخرى محتملة الصحّة . وسجدات التلاوة منحصرة في السور المكيّة . فبالإضافة إلى ما في الأحاديث من تنويه بفضل هذه السورة ، فإن فيها ، والحالة هذه ، دلالة على مكيتها ، والله أعلم .

[ 1 ] الزلزلة : معناها اللغوي شدّة التحريك وإزالتها للأشياء عن أماكنها .

1


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[4]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.