( 1 ) يرمون : هنا بمعنى يتهمون بالزنا .
( 2 ) المحصنات : من المفسرين من أولها بالمتزوجات ومنهم من أولها بالعفيفات .
{ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ 11 } .
والآيات التي بعدها إلى آخر الآية ( 18 ) ، وخبر حديث الإفك الذي رميت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما في ذلك من صور وتلقينات .
هذه الآيات تتضمن الإشارة إلى حادث قذف كاذب اتفق المفسرون والرواة على أنه في شأن عائشة أم المؤمنين وعرف في تاريخ السيرة النبوية باسم حديث الإفك اقتباسا من الآية الأولى فيما هو المتبادر وقد تضمنت تقرير ما يلي :
( 1 ) إن الذين أثاروا الحديث هم جماعة من المسلمين .
( 2 ) وهم آثمون : كل بحسب ما كان منه من أثر فيه . والإثم الأكبر والعذاب الأعظم هو لمن تزعم الحركة وقاد الحملة .
( 3 ) وعلى الذين لهم صلة به أن لا يحزنوا ولا يظنوا حينما سمعوا خبره أنه شر في حقهم بل إنه خير لهم في النتيجة .
( 4 ) ولقد كان من الواجب على مثيريه أن يقيموا البينة على صحة ما قالوا ، فيأتوا بأربعة شهداء ولكنهم إذا لم يفعلوا ذلك فهم كاذبون عند الله .
( 5 ) ولقد كان الأولى بالمؤمنين حينما سمعوا الحديث أن يغلبوا حسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات ويستنكروه ويقرروا أنه كذب واضح .
( 6 ) ولولا أن الله قد رحمهم وشملهم بفضله في الدنيا والآخرة لنالهم عذاب عظيم فيهما عقوبة على ما كان منهم من الإفاضة في هذا الحديث والاشتغال به ؛ حيث أخذوا يتناقلونه ويتلقاه بعضهم عن بعض ويخوضون فيه بدون علم ويقين ولا ينتبهون إلى ما وقعوا فيه من الإثم وظنوه أمرا هينا مع أنه عظيم عند الله .
( 7 ) ولقد كان الأجدر بهم أن يدركوا حينما سمعوه أنه افتراء عظيم ، وأنه لا يجوز أن يخوضوا فيه ، وأن يحولوا دون ذيوعه وتوسع الكلام عنه .
( 8 ) وإن الله لينهاهم عن العودة إلى مثله أبدا إذا كانوا مؤمنين حقا ، وإنه ليبين لهم الآيات ليتذكروا ، وإنه لهو العليم بكل شيء الحكيم الذي يأمر بما فيه الحق والخير والمصلحة .
وهذا الحادث من الحوادث المهمة في تاريخ السيرة النبوية كان موضوع بحث وتمحيص وقيل وقال ، ورويت فيه روايات عديدة وطويلة . وفي فصل التفسير في صحيح البخاري ومسلم والترمذي حديث طويل مروي عن عائشة أم المؤمنين احتوى تفصيل المسألة تفصيلا وافيا رأينا إيراده لما فيه من صور وفوائد . قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي ، فخرجت معه بعدما نزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار{[1479]} قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني{[1480]} ابتغاؤه فأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوه هودجي فرحلوه على بعيري وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني فنمت ، وكان صفوان ابن المعطل السلمي الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه{[1481]} حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني .
وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت{[1482]}شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي . إنما يدخل علي فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ثم ينصرف ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا .
فانطلقت أنا وأم مسطح ابن أثاثة وهي بنت أبي رهم ابن عبد مناف وأمها خالة أبي بكر الصديق ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت : أي هنتاه ( يا هذه ) أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله ثم قال : كيف تيكم ، قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا .
قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله علي ابن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله ( طلاقها ) فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال : يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيرا ، وأما علي فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله بريرة أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله فاستعذر من عبد الله ابن أبي سلول فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي . فقام سعد ابن معاذ فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام سعد ابن عبادة ( زعيم الخزرج ) وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد ابن حضير ( من زعماء الأوس ) فقال لسعد ابن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما ، وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي ، فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكي معي ، قالت : فبينا نحن كذلك دخل علينا رسول الله فسلم ثم جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني فتشهد ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب عليه . فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد علمت ، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به . فلئن قلت لكم : إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني . والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } ( يوسف : 18 } ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، وأنا أعلم أني بريئة ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها . قالت : فوالله ما رام رسول الله ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء{[1483]}حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان{[1484]} من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه ، فلما سري عن رسول الله وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها : يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك فقالت أمي قومي إليه{[1485]} . فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل .
فأنزل الله { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } العشر الآيات كلها . فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعدما قال في عائشة ، وكان ينفق عليه لقرابته منه وفقره فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولوا القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم 22 } قال أبو بكر : بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه . وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة : وكان رسول الله يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : يا زينب ماذا علمت أو رأيت ؟ قالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا . قالت وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك{[1486]} . وقد روى الترمذي تتمة للقصة عن عائشة قالت : ( لما نزل عذري قام رسول الله على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم ) {[1487]} .
والحديث كما هو واضح قد صدر من عائشة بعد مدة طويلة من الحادث غير أن هذا ليس من شأنه أن يضعف من صحة جميع ما جاء فيه . وفي الروايات بعض تفصيلات لم ترد فيه ، منها أن الغزوة التي وقع الحادث أثناءها هي غزوة بني المصطلق أو المريسيع{[1488]} وأن الذين خاضوا في الحديث أكثر من غيرهم ، وأوقع النبي عليهم الحد حسان ابن ثابت ومسطح ابن أثاثة وحمنة بنت جحش . وهناك رواية تذكر أن الذي تولى كبره هو حسان بينما هناك رواية تذكر أنه عبد الله ابن أبي ابن سلول{[1489]} . ومن العجيب أن الروايات لم تذكر أن النبي أقام الحد على عبد الله ابن أبي ابن سلول . وحديث عائشة الذي رواه الترمذي يذكر أن الذين أقيم عليهم الحد رجلان وامرأة ، فالظاهر أن عبد الله ابن أبي بن سلول لعب دوره بمهارة ، وأن الذين تورطوا في الحديث هم الثلاثة المذكورون . ولقد روى المفسرون أن ابن سلول كان يجمع الكلام ويستوشيه حتى دخل في أذهان الناس فتكلموا به وجوزه آخرون منهم ، وأن هذا المسلك كان مما درأ عنه الحد ؛ لأنه لم يصدر منه قذف صريح{[1490]} .
ولقد روي{[1491]} أنه وقعت ملاحاة ومشادة بين بعض المهاجرين والأنصار من الخزرج من أقارب ابن سلول في أثناء غزوة المريسيع وجعلت هذا يظهر ما في صدره من حنق وغيظ ضد النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين ويهدد ويتوعد وكان لذلك أثر مرير في نفس النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين على ما سوف نشرحه في سورة ( المنافقون ) بعد هذه السورة . ومما يخطر في البال أن يكون ابن أبي بن سلول قد أراد في ما أثاره من حديث الإفك شفاء نفسه من النبي بهذه الإثارة .
ومع أن الآيات ليست بسبيل حكاية القصة كما هو واضح . وشأنها شأن ما ورد في القرآن من قصص وإشارات إلى حوادث السيرة أي أنها استهدفت التنديد والإنذار والعتاب والتذكير والعظة والتبرئة والتسلية على ما جاء في الشرح فإنها احتوت بعض الدلالات المتسقة مع المروي إجمالا كما أن فيها دلالة على ما كان للحادث وظروفه من آثار مؤذية ومزعجة . هذا مع توقفنا فيما روي من موقف النبي من عائشة وجفائه وما يوهمه هذا من احتمال شكه فيها . فإن الآيات لا تساعد على التسليم به نصا وروحا . وفي نفسنا كذلك شيء مما ورد عن موقف علي ابن أبي طالب . فهو يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الجارية وهي تصدقه مما يدل على أنه كان يعلم منها ما يريب في حين أنه لم يكن شيء من ذلك . ولا نود أن نصدق أن عليا رضي الله عنه يبيح لنفسه أن يشك في عائشة رضي الله عنها ويحرض النبي صلى الله عليه وسلم على طلاقها بدون برهان وليس هناك برهان ، ولقد أثير هذا حين نشبت الفتنة بين المسلمين بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، وكان من صفحاتها الوقعة المعروفة بحرب الجمل التي كان في طرفها الأول علي ابن أبي طالب وفي طرفها الثاني عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين حيث قال فيما قيل على هامشها : إن عائشة ظلت ناقمة على علي بسبب موقفه المذكور . ومعظم ما جاء في الروايات حول هذه الفتنة مشوب بالهوى الحزبي{[1492]} .
وأسلوب الآيات قوي في التنديد والإنذار والعتاب والتطمين والتسلية . ومن شأنه أن يثير الرهبة والخجل والندم في الذين تورطوا في حديث الإفك بأي شكل أو سكتوا عنه من جهة . وأن يبعث القناعة التامة في نزاهة أم المؤمنين ويهديء روعها ويطيب نفسها من جهة . وأن يعظم إثم الذين قادوا حملة الإفك أو خاضوا فيه أكثر من غيرهم من جهة .
ويتبادر لنا أن التنديد بالساكتين عن شيوع الخبر والمتورطين فيه من غير الذين قادوا الحملة أو خاضوا في الحديث أكثر من غيرهم وبخاصة ما جاء في الآيتين ( 15 و16 ) ينطوي على قصد بيان في الحادث من إفك بديهي . وكونه مما لا يصح في العقل أن تقترف زوجة النبي إثما فاحشا وهي بنت أول بيت في الإسلام بعد بيت النبي وفي مرتبة سامية من الكرامة عند الله والنبي والمسلمين وزوجة النبي الذي كانت تعتقد أن وحي الله متصل به أولا وأن يجرأ مسلم على التعرض لزوجة النبي وهي أمه المعنوية بنص القرآن ، وفيه ذرة من الإيمان بالله ورسوله ثانيا . ومن العجيب الذي يبعث الاشمئزاز أن تحتوي الآيات كل هذه القوة والإحاطة في التنزيه والتنديد والتنبيه إلا ما لا يعقل ولا ينبغي ولا يصح ، ثم يظل أعداء الإسلام يخوضون في هذه القصة خوضا ليس له من قصد غير التجريح والتشنيع .
ومع خصوصية الآيات الزمنية والموضوعية فقد احتوت تلقينات أخلاقية واجتماعية بليغة مستمرة المدى . في تقبيح التعرض لأعراض الناس وخاصة بالكذب والافتراء والخوض فيها بدون علم وبينة . وفي عدم جواز سكوت الجمهور على مثل هذا التصرف أو الانسياق في تياره بدون ترو وتدبر . وفي وجوب الوقوف في مثل هذه الحوادث موقفا حاسما قويا فلا يسمح بذيوع الإفك والبهتان ومس أعراض الناس ، وفي تطمين الأبرياء حتى لا ينزعجوا بمثل هذه الحوادث التي كثير ما تثيرها الأغراض والنوايا الخبيثة وحب الكيد والغفلة ، وهذه كلها تجمعت في إثارة حديث الإفك كما يفهم من تفاصيل الروايات وقرائن الآيات وحتى يقابلوها برباطة جأش وطمأنينة قلب فيكون ذلك عاملا على قتل الإفك وإحباط الكيد .