التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (134)

{ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ( 131 )وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ( 132 ) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ( 133 ) مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( 134 ) } .

عبارات الآيات واضحة ، وليس فيها موضوع خاص . ولم يرو المفسرون شيئا في نزولها ، ولقد تكرر في الآيات السابقة تنبيه السامعين المؤمنين إلى وجوب التقوى . فالمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت ردفها بهذه الآيات وتعقيبا لها ؛ لتؤكد ذلك عليهم وتقول لهم : إن الله وصاهم بتقوى الله كما وصى الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ولتنبههم في الوقت نفسه إلى أن هذا لمصلحتهم وخيرهم ؛ لأن الله غني عن الناس إذا لم يتقوه وكفروا وهو في الوقت نفسه حميد لهم إذا آمنوا وأخلصوا ، وله ما في السماوات وما في الأرض ، وهو يستطيع إذا شاء أن يذهب بالموجودين من الناس ويأتي بغيرهم . وإنه إذا كان من الناس من يهتم لمنافع الدنيا ومتاعها ، فإنهم إذا اتقوا وأخلصوا له يسر ذلك لهم بالإضافة إلى ثواب الآخرة ، فهو مالك الدنيا والآخرة وعنده ثوابهما ، وهو السميع لكل شيء البصير بكل شيء .

والآيات قوية في ردفها وتعقيبها وهدفها ، وقد جاءت مطلقة لتوكيد وجوب تقوى الله في جميع الأعمال والمواقف ، وتطمين من يفعل ذلك بفضل الله وثوابه في الدنيا والآخرة مما هو متسق مع الأسلوب القرآني البليغ النافذ .

ولقد أورد رشيد رضا في سياقها حديثا قدسيا رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه ( يقول الله : يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي أنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) .

وفي الحديث حقائق عن ذات الله تعالى نؤمن بها . وقد تكرر تقريرها في القرآن بأساليب متنوعة والحكمة الملموحة في الحديث تنبه الناس والمسلمين بخاصة أن أعمالهم هي العائدة لهم حسب ما تكون من خير وشر ، وأن عليهم إذا أرادوا لأنفسهم الخير أن يتقوا الله فيها .