التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

يقص الحق : قال المفسرون : معنى يقص هنا : يقول . وروى الطبري أن كلمة ( يقص ) قرئت ( يقضي ) ورأى في ذلك وجاهة أكثر لأنها تتسق بذلك مع الجملة التالية لها .

الفاصلين : من الفصل بمعنى القضاء بين الناس .

{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ( 56 ) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ ( 1 )الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ( 2 ) ( 57 ) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ( 3 ) ( 58 ) } [ 56 – 58 ] .

في الآيات أمر رباني للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعلن للكفار أن الله تعالى نهاه عن عبادة ما يدعون من دونه من إتباع أهوائهم ؛ لأنه يكون حينئذ ضالا غير مهتد في حين أنه غدا على بينة من ربه بالرغم من تكذيبهم وجحودهم ، وبأن يعلن لهم كذلك أن ما يستعجلونه ليس في يده ولو كان في يده لكان الأمر قد انقضى بينه وبينهم ، ولكنه بيد الله الذي يقول الحق ويقضي به وهو خير الفاصلين ، وهو الأعلم بالظالمين الباغين .

والآيات كما هو المتبادر متصلة بالسياق المستأنف فيه حكاية ما كان يقع بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار من حجاج ونقاش .

ومن المحتمل أن تكون جملة { لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُم } ردا على ما كان زعماء الكفار يطالبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم به من إقصاء فقراء المسلمين عنه مما تضمنته الآيات السابقة ، كما أن من المحتمل أن يكون في صدد ما طالبوا به من التساهل معهم في بعض الشؤون مما تضمنته آيات أخرى مر بعضها منها في آيات سورة الإسراء [ 73 – 74 ] وآيات سورة القلم [ 9 – 10 ] أما جملة { مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِه } فالجمهور على أنها تعني العذاب الذي أوعد القرآن الكفار به ، وكان الكفار يتحدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتعجيل به استخفافا وإنكارا وهو وجيه . وقد حكته عنهم آيات عديدة مر بعضها ، مثل آيات سورة يونس [ 48 – 50 ] وآية سورة هود [ 8 ] وآيات سورة الشعراء [ 202 – 208 ] .

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا عن عائشة جاء فيه : ( إنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ، فقال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة . إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت . فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب . فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت ، فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك ، وما ردوا عليك وقد بعثت إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك ، وقد بعثني إليك لتأمرني بأمرك . إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله : بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) . وقال ابن كثير : إن الحديث ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن طريق الزهري عن عروة عن عائشة .

وينطوي في الحديث أولا : مشهد من المشاهد الروحانية التي كشفها الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لتسكينه وتطمينه . ثانيا : حكمة حكم الله ورسوله فيما كان من عدم التعجيل بالعذاب على قومه الذين ناوأوه وهذا ما تكررت الإشارة إليه في آيات عديدة بعضها في سور سبق تفسيرها . ثالثا : صورة من صدق عاطفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإشفاقه التي كانت تعتلج بها نفسه صلى الله عليه وآله وسلم . ولقد صدق الله ظنه فآمن كثير من الكافرين وأخرج من أصلابهم مؤمنين مخلصين صادقين .

أما عبد ياليل المذكور في الحديث فهو زعيم الطائف حيث ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها بعد موت عمه لعله يجد نصيرا ، فرد أقبح رد ورشق حتى أدمى . وعاد كسيرا حزينا وناجى ربه في الطريق مناجاة سنوردها في سياق تفسير سورة الأحقاف ؛ لأن لها مناسبة أكثر ملاءمة فيها ، فكان ذلك المشهد والحوار اللذان ذكرا في الحديث .