لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

{ قل } يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين { إني على بينة من ربي } قال ابن عباس : يعني على يقين من ربي ، وقيل : البيّنة الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل والمعنى : إني على بيان وبصيرة في عبادة ربي { وكذبتم به } يعني وكذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي وهو القرآن والمعجزات الباهرات والبراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد وفساد الشرك { ما عندي ما تستعجلون به } يعني العذاب ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم وكانوا يستعجلون به استهزاء وكانوا يقولون : يا محمد ائتنا بما تعدنا يعني من نزول العذاب ، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : ما عندي ما تستعجلون به لأن إنزال العذاب لا يقدر عليه إلا الله تعالى ولا يقدر أحد على تقديمه ولا تأخيره .

وقيل : كانوا يستعجلون بالآيات التي طلبوها واقترحوها فأعلم الله أن ذلك عنده ليس عند أحد من خلقه . وقيل : كانوا يستعجلون بقيام الساعة ومنه قوله تعالى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها { إن الحكم إلا لله } يعني الحكم الذي يفصل به بين الحق والباطل والثواب للطائع والعقاب للعاصي أي ما الحكم المطلق إلا لله ليس معه حكم فهو يفصل بين المختلفين ويقضي بإنزال العذاب إذا شاء { يقص الحق } قرئ بالصاد المهملة . ومعناه : يقول الحق لأن كل ما أخبر به فهو وحق وقرئ يقض بالضاد المعجمة من القضاء يعني أنه تعالى يقضي القضاء الحق { وهو خير الفاصلين } يعني وهو خير من بين وفصل وميز بين المحق والمبطل لأنه لا يقع في حكمه وقضائه جور ولا حيف على أحد من خلقه .