البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

{ قل إني على بينة من ربي } أي على شريعة واضحة وملة صحيحة .

وقيل : البينة هي المعجزة التي تبين صدقي وهي القرآن ، قالوا : ويجوز أن تكون التاء في { بينة } للمبالغة والمعنى على أمر بين لما نفي أن يكون متبعاً للهوى نبه على ما يجب اتباعه وهو الأمر الواضح من الله تعالى .

{ وكذبتم به } إخبار منه عنهم أنهم كذبوا به والظاهر عود الضمير على الله أي وكذبتم بالله .

وقيل : عائد على { بينة } لأن معناه على أمر بيِّن .

وقيل : على البيان الدال عليه بينة .

وقيل : على القرآن .

{ ما عندي ما تستعجلون به } الذي استعجلوا به قيل الآيات المقترحة قاله الزجاج .

وقيل : العذاب ورجح بأن الاستعجال لم يأت في القرآن إلا للعذاب لأنهم لم يستعجلوا بالآيات المقترحة وبأن لفظ { وكذبتم به } يتضمن أنكم واقعتم ما أنتم تستحقون به العذاب إلا أن ذلك ليس لي .

قال الزمخشري : يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم : { فأمطر علينا حجارة من السماء } { إن الحكم إلا لله } أي الحكم لله على الإطلاق وهو الفصل بين الخصمين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب .

وقيل : القضاء بإنزال العذاب وفيه التفويض العام لله تعالى .

{ يقضي الحق } هي قراءة العربيين والأخوين أي يقضي القضاء الحق في كل ما يقضى فيه من تأخير أو تعجيل ، وضمن بعضهم يقضي معنى ينفذ فعداه إلى مفعول به .

وقيل : يقضي بمعنى يصنع أي كل ما يصنعه فهو حق قال الهذلي :

وعليهما مسدودتان قضاهما *** داود أو صنع السوابغ تبع

أي صنعهما وقيل حذف الباء والأصل بالحق ، ويؤيده قراءة عبد الله وأبي وابن وثاب والنخعي وطلحة والأعمش يقضي بالحق بياء الجر وسقطت الباء خطأ لسقوطها لفظاً لالتقاء الساكنين .

وقرأ مجاهد وابن جبير يقضي بالحق .

{ وهو خير الفاصلين } وفي مصحف عبد الله وهو أسرع الفاصلين .

وقرأ ابن عباس والحرميان وعاصم { يقص الحق } من قص الحديث كقوله { نحن نقص عليك أحسن القصص } أو من قص الأثر أي اتبعه .

وحكى أن أبا عمرو بن العلاء سئل أهو يقص الحق أو يقضي الحق ؟ فقال : لو كان يقص لقال وهو خير القاصين أقرأ أحد بهذا وحيث قال { وهو خير الفاصلين } فإنما يكون الفصل في القضاء ؛ انتهى .

ولم يبلغ أبا عمرو أنه قرىء بها ويدل على ذلك قوله : أقرأ بها أحد ولا يلزم ما قال ، فقد جاء الفصل في القول قال تعالى : { إنه لقول فصل } وقال : { أحكمت آياته ثم فصلت } وقال : { نفصل الآيات } فلا يلزم من ذكر الفاصلين أن يكون معيناً ليقضي و { خير } هنا أفعل التفضيل على بابها .

وقيل : ليست على بابها لأن قضاءه تعالى لا يشبه قضاء ولا يفصل كفصله أحد وهذا الاستدلال يدل على أنها بابها .