فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ} (57)

قوله : { قُلْ إِنّي على بَيّنَةٍ من رَبّي } البينة : الحجة والبرهان ، أي إني على برهان من ربي ويقين ، لا على هوى وشك ، أمره الله سبحانه بأن يبين لهم أن ما هو عليه من عبادة ربه هو عن حجة برهانية يقينية ، لا كما هم عليه من اتباع الشبه الداحضة والشكوك الفاسدة التي لا مستند لها إلا مجرد الأهوية الباطلة . قوله : { وَكَذَّبْتُم بِهِ } أي بالربّ أو بالعذاب أو بالقرآن أو بالبينة ، والتذكير للضمير باعتبار المعنى . وهذه الجملة إما حالية بتقدير قد ، أي والحال أن قد كذبتم به ، أو جملة مستأنفة مبينة لما هم عليه من التكذيب بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجج الواضحة والبراهين البينة .

قوله : { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب ، فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء ، نحو قوله : { أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } ، وقولهم : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء } ، وقولهم : { متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين } ، وقيل : { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } من الآيات التي تقترحونها عليّ .

قوله : { إِنِ الحكم إِلاَّ لله } : أي ما الحكم في كل شيء إلا لله سبحانه ، ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة . والمراد : الحكم الفاصل بين الحق والباطل .

قوله : { يَقُصُّ الحق } قرأ نافع وابن كثير وعاصم { يَقُصُّ } بالقاف والصاد المهملة ، وقرأ الباقون { يَقْضِ } بالضاد المعجمة والياء ، وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي ، وسعيد بن المسيب ، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء . فعلى القراءة الأولى ، هو من القصص ، أي يقصّ القصص الحق ، أو من قصّ أثره ، أي يتبع الحق فيما يحكم به . وعلى القراءة الثانية ، هو من القضاء ، أي يقضي القضاء بين عباده ، و { الحق } منتصب على المفعولية ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي يقضي القضاء الحق ، أو يقص القصص الحق { وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين } أي بين الحق والباطل بما يقضي به بين عباده ويفصله لهم في كتابه .

/خ59