التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (101)

تعليق على عبارة

{ يطبع الله على قلوب الكافرين }

وفي الآيتين الأخيرتين ورد مقطعان عن طبع الله على قلوب الكافرين . وهذا التعبير قد تكرر في مواضع عديدة ومناسبات مماثلة . وكان من أسباب التشاد بين علماء الكلام ، حيث رآه فريقا دليلا على أن أعمال الناس ومصائرهم مقدرة محتمة منذ الأزل ، وأوله فريق آخر رأى في رأي هذا الفريق ما يناقض عدل الله وحكمته في إرسال الرسل ، وما يتناقض مع تقريرات قرآنية متنوعة .

والذي يلهمه سياق الآيات هنا وسياق الآيات الأخرى التي ورد فيها هذا التعبير أنه ليس في معنى : أن الله قد قسى قلوب أناس بأعيانهم سلفا وأغلق أذهانهم وصرفهم عن الاستجابة إلى دعوة الله كقضاء أزلي . وفحوى الآيات هنا وفي غير مكان لا يمكن أن يساعد على ذلك ؛ لأنها تحتوي في الوقت نفسه لوما وتنديدا وإنذارا وتعنيفا للكافرين على جحودهم وانحرافهم . وإنما هو بسبيل وصف شدة قسوة قلوبهم بسبب سوء طويتهم وخبث نيتهم حيث يؤدي ذلك إلى انغلاق أذهانهم ، أو بسبيل تقرير ما يصيرون إليه من ذلك نتيجة لمواقف المكابرة والعناد التي يقفونها حتى بدو أنه أصيل فيهم .

ومما يلحظ : أن هذا التعبير يأتي دائما مع وصف الكفر والجحود والفسق والخسران مع التنديد والتقريع بالكافرين الجاحدين الفاسقين ، حيث يبدو أن الآيات في الحقيقة : إنما تقرر أن الكفر والفسق وعدم الاستجابة لدعوة الحق ونقض العهد كل ذلك قد وجد في الكافرين ، فنعتوا بهذا النعت واستحقوا من أجله التنديد والتقريع والتعنيف . وفي الآيات يبدو هذا قويا بارزا .

ولعل من أهداف هذا التعبير وأمثال تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وكأنما يقال لهم إنه لا موجب للحزن والأسى إذا لم تلن قلوب الكافرين والجاحدين ، فإن الله قد طبع عليها بما بيتوه من نية الكفر وانطبعوا عليه من خبث وفساد وفسق .

ولقد ثبت يقينا أن كثيرين من الذين وصفوا بوصف الكافرين والفاسقين والظالمين ، والذين تقرر الآيات أن الله يطبع على قلوبهم ، وأن كلمة الله حقت عليهم بأنهم لا يؤمنون من السامعين للقرآن من عرب وغير عرب ومن مشركين وكتابيين قد آمنوا بالرسالة المحمدية والقرآن ونالوا رضاء الله بعد نزول هذه الآيات وتابوا وتاب الله عليهم حيث يصح القول : إن هذه الآيات وأمثالها الكثيرة في القرآن مما مر ويأتي قد انطوت على تسجيل للواقع عند نزولها وعلى تأييد لما شرحناه به آنفا . وإن ما احتوته من إنذار وتنديد إنما يظل واردا بالنسبة للذين يصرون على الكفر والفسق والظلم ويموتون على ذلك ويبقى الوصف ملازما لهم . وفي القرآن آيات كثيرة تؤيد ذلك منها آيات سورة البقرة هذه : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون159 إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم160 إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين161 خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون162 }{[983]} .

94


[983]:- اقرأ أيضا آيات البقرة [217] والنساء [17] وآل عمران [91] ومحمد [34] والتوبة [85و 156].