فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (101)

قوله : { تِلْكَ القرى } أي التي أهلكناها ، وهي قرى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، المتقدّم ذكرها . { نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي نتلو عليك { مِنْ أَنبَائِهَا } أي من أخبارها . وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين . ونقصّ إما في محل نصب على أنه حال ، و { تِلْكَ القرى } مبتدأ وخبر ، أو يكون في محل رفع على أنه الخبر ، و { القرى } صفة لتلك ، و من في { مِنْ أَنبَائِهَا } للتبعيض ، أي نقصّ عليك بعض أنبائها ، واللام في { وَلَقَد جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات } جواب القسم . والمعنى : أن من أخبارهم أنها جاءتهم رسل الله ببيناته ، كما سبق بيانه في قصص الأنبياء المذكورين قبل هذا { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } عند مجيء الرسل { بِمَا كَذَّبُواْ } به { مِن قَبْلُ } مجيئهم ، أو فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل ، في حال من الأحوال ، ولا في وقت من الأوقات بما كذبوا به قبل مجيئهم ، بل هم مستمرون على الكفر ، متشبثون بأذيال الطغيان دائماً ، ولم ينجع فيهم مجيء الرسل ، ولا ظهر له أثر ، بل حالهم عند مجيئهم كحالهم قبله . وقيل المعنى : فما كانوا ليؤمنوا بعد هلاكهم بما كذبوا به لو أحييناهم كقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا } وقيل : سألوا المعجزات ، فلما رأوها لم يؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤيتها ، والأوّل : أولى ، ومعنى تكذيبهم قبل مجيء الرسل : أنهم كانوا في الجاهلية يكذبون بكل ما سمعوا به من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب .

قوله : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين } أي مثل ذلك الطبع الشديد يطبع الله على قلوب الكافرين ، فلا ينجع فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب .

/خ102