نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (101)

ولما انقضى ذلك على هذا الوجه الأعظم والنظم الأبلغ الأحكم ، وكانت هذه القرى بحيث تعرفها العرب ويرونها ، أشار إليهم حثّاً على الاعتبار بهم ، ولما كان أهلها جديرين بالبعد عنهم{[32811]} والهرب منهم ، عبر عنهم بأداة البعد فقال : { تلك القرى } أي محالّ{[32812]} القبائل الخمس ، ويجوز أن يكون البعد لعظمة ما حصل لأهلها من العذاب ، ويؤيده قوله مبيناً لحالها : { نقص عليك } .

ولما كان العاقل من يكفيه أدنى شيء ، هوّل الأمر بأن أخبارها تفوت الحصر ، وأن ما قص منها يكفي المعتبر ، فقال : { من أنبائها } أي أخبارها العظيمة الهائلة المطابقة للواقع شيئاً بعد شيء كما يفعل من يتتبع{[32813]} الأثر ، وأنث الضمير لأن لرؤية القرى أنفسها مدخلاً في معرفة أخبار أهلها .

ولما كان المقام مقام العجب من التكذيب بعد ذلك البيان ، كان ربما تخيل متخيل أنهم لم يؤتوا{[32814]} بالبيان الشافي ، فشهد الله تعالى للرسل عليهم السلام تصديقاً لمن قال منهم : قد جاءتكم بينة ، بقوله : { ولقد } أي والحال أنه قد { جاءتهم } أي أهل القرى لأنهم المقصودون بالذات { رسلهم } أي الذين أرسلناهم إليهم { بالبينات فما } أي فلم{[32815]} يتسبب عن ذلك بسبب طبعنا على قلوبهم إلا أنهم ما { كانوا } موفقين { ليؤمنوا } أي عند مجيئها ، وقد أكد منافاة حالهم الإيمان باللام{[32816]} والكون أتم تأكيد { بما } أي بالذي { كذبوا } أي به ، وحذفها أدل على الزجر من مطلق التكذيب وأوفق لمقصود السورة{[32817]} .

ولما كان تكذبيهم غير مستغرق للزمان الماضي ، أدخل الجارّ فقال : { من قبل } أي قبل مجيء الرسل إليهم أو بتكذيبهم الواقع منهم{[32818]} للرسل فيما أتوا به عن الله من قبل الأخذ بغتة ، أو من قبل مجيء الرسل بالآيات ، فإنهم أول ما جاؤوهم فاجؤوهم بالتكذيب ، فجوزوا على تكذيب الحق من غير نظر في دليل بالطبع على قلوبهم فأتوهم . بالمعجزات فأصروا على ذلك التكذيب ووقفوا لذلك الطبع{[32819]} مع حظوظهم ، ومنعتهم شماختهم وشدة شكائمهم عن الإيمان{[32820]} لئلا يقال : إنهم خافوا{[32821]} أولا فيما وقع منهم من التكذيب فكانوا فيه على غير بصيرة ، أو إنهم خافوا ثانياً ما قرعتهم به الرسل من الوعيد ، فدخلوا جبناً فيما يعلمون بطلانه ، فكان تزيين{[32822]} هذا لهم طبعاً على قلوبهم ، فكأنه قيل : إن هذا العجب هل يقع في مثل ذلك أحد ؟ فقيل :نعم ، مثل ما طبعنا على قلوبهم حتى صارت مع الفهم لا تنتفع{[32823]} ، فكأنها لا تفهم{[32824]} فكأنها لا تسمع{[32825]} { كذلك يطبع الله } أي الجامع لصفات الكبر ونعوت الجلال {[32826]}بما يجعل{[32827]} من الرين بما له من العظمة { على قلوب الكافرين* } أي كل من يغطي ما أعطاه الله من نور العقل بما تدعوه إليه نفسه من الهوى عريقاً في الاتصاف بذلك{[32828]} فيترك آيات الله .


[32811]:- في ظ: عنه.
[32812]:- في ظ: محل.
[32813]:- من ظ، وفي الأصل: يتبع.
[32814]:- من ظ، وفي الأصل: لم يؤمنوا.
[32815]:- من ظ، وفي الأصل: لم.
[32816]:- سقط من ظ.
[32817]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[32818]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[32819]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[32820]:- من ظ، وفي الأصل: الأيمن كذا
[32821]:- في الأصل: خلفوا، وفي ظ: خفوا.
[32822]:- في ظ: تزين.
[32823]:- من ظ، وفي الأصل: لا ينتفع.
[32824]:- من ظ، وفي الأصل: لا يفهم.
[32825]:- من ظ، وفي الأصل: لا يسمع.
[32826]:- في ظ: إنما تجعل
[32827]:- في ظ: إنما تجعل
[32828]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.