مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (101)

ثم قال تعالى : { تلك القرى نقص عليك من أنبائها } قوله : { تلك } مبتدأ { والقرى } صفة و{ نقص عليك } خبر ، والمراد بتلك القرى قرى الأقوام الخمسة الذين وصفهم فيما سبق ، وهم : قوم نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، نقص عليك من أخبارها كيف أهلكت . وأما أخبار غير هؤلاء الأقوام ، فلم نقصها عليك ، وإنما خص الله أنباء هذه القرى لأنهم اغتروا بطول الإمهال مع كثرة النعم فتوهموا أنهم على الحق ، فذكرها الله تعالى تنبيها لقوم محمد عليه الصلاة والسلام عن الاحتراز من مثل تلك الأعمال .

ثم عزاه الله تعالى بقوله : { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } يريد الأنبياء الذين أرسلوا إليهم وقوله : { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } فيه قولان : الأول : قال ابن عباس والسدي : فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا به يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم ، فآمنوا كرها ، وأقروا باللسان وأضمروا التكذيب . الثاني : قال الزجاج : { فما كانوا ليؤمنوا } بعد رؤية المعجزات بما كذبوا به قبل رؤية تلك المعجزات .

الثالث : ما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ورددناهم إلى دار التكليف ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل إهلاكهم ، ونظيره قوله : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } الرابع : قبل مجيء الرسول كانوا مصرين على الكفر ، فهؤلاء ما كانوا ليؤمنوا بعد مجيء الرسل أيضا . الخامس : ليؤمنوا في الزمان المستقبل .

ثم إنه تعالى بين السبب في عدم هذا القبول فقال : { كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين } قال الزجاج : والكاف في { كذلك } نصب ، والمعنى : مثل ذلك الذي طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية ، يطبع على قلوب الكافرين الذين كتب الله عليهم أن لا يؤمنوا أبدا والله أعلم بحقائق الأمور .