الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (101)

قوله سبحانه : { تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين }[ الأعراف :101 ] .

{ تلك } ابتداءٌ ، و{ القرى } قال قوم : هو نعْتٌ ، والخبر { نَقْصُّ } ، وعندي : أن { أهل القرَى } هِي خَبَر الابتداءِ ، وفي ذلك معنى التعظيمِ لها ، ولِمُهْلِكِها ، وهذا كما قيل في قوله تعالى : { ذلك الكتاب } [ البقرة : 2 ] وكما قال عليه السلام : ( أُولَئِكَ الملأ ) وكقول ابن أبي الصلت : [ البسيط ]

تِلْكَ المَكَارِمُ***

وهذا كثير .

ثم ابتدأ سبحانهُ الخبر عن جميعهم بقوله : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، هذا الكلامُ يحتملُ وجوهاً من التأويل :

أحدها : أنْ يريد أنَّ الرسول جاء لكلِّ فريقٍ منهم ، فكذَّبوه لأول أمره ، ثم استبانت حجته ، وظهَرتِ الآياتُ الدالَّة على صدقه ، مع استمرار دعوته . ، فلَجُّوا هم في كفرهم ، ولم يؤمنوا بما سَبَقَ به تكذيبُهم .

والثاني : من الوجوه : أنْ يريد : فما كان آخرهم في الزّمنِ لِيُؤْمِنَ بما كَذَّب به أوَّلهم في الزمَنِ ، بل مشى بعضهم على سَنَن بعضٍ في الكُفْرِ ، أشار إِلى هذا التأويلِ النَّقَّاش .

والثالث : أنَّ هؤلاء لَوْ رُدَّوا من الآخرة إلى الدنيا ، لم يكُنْ منهم إِيمانٌ ، قاله مجاهد ، وقرنه بقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] .

والرابع : أنه يحتمل : فما كانوا ليُؤْمنوا بما سَبَق في عِلم اللَّه سبحانه ، أنهم مُكَذِّبون به ، وذكَرَ هذا التأويلَ المفسِّرون .