معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

وقوله : { وَجاءوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ 18 } ،

معناه : مكذوب . والعرب تقول للكذب : مكذوب ، وللضعف : مضعوف ، وليس له عَقْد رأي ومعقودُ رأي ؛ فيجعلون المصدر في كثير من الكلام مفعولاً . ويقولون : هذا أمر ليس له مَعْنِىّ ، يريدون : مَعْنىً ، ويقولون للجَلَد : مجلود ؛ قال الشاعر :

إن أخا المجلود من صَبَرَا *** . . .

وقال الآخر :

حتّى إذا لم يتركوا لعظامه *** لحما ولا لفؤادهِ معقولاَ

وقال أبو ثَرْوان : إنّ بنى نُمَير ليس لحدّهم مكذوبة . ومعنى قوله : ( بِدَمٍ كذِبٍ ) : أنهم قالوا ليعقوب : أكله الذئب . وقد غمسوا قميصه في دم جَدْي . فقال : لقد كان هذا الذئب رفيقاً بابْنيِ ، مزَّق جلده ولم يمزق ثيابه . قال : وقالوا : اللصوص قتلوه ، قال : فلم تركوا قميصه ! وإنما يريدونَ الثياب ؛ فلذلك قيل : ( بِدَمٍ كَذِبٍ ) . ويجوز في العربيَّة أن تقول : جاءوا على قميصه بدم كذباً ؛ كما تقول : جَاءوا بأمرٍ باطل وباطلا ، وحق وحقاً .

وقوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ، مثل قوله : { فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } ، { فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } ، ولو كان : فَصَبْرا جميلاً ، يكون كالآمر لنفسه بالصبر ، لجاز . وهي في قراءة أُبَىّ : ( فَصَبْرا جَمِيلاً ) ، كذلك على النصب بالألف .