معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا سَآئِغٗا لِّلشَّـٰرِبِينَ} (66)

وقوله : { نُّسْقِيكُمْ مِّما فِي بُطُونِهِ66 } .

العرب تقول لكلّ ما كان من بطون الأنعام ، ومنَ السَّماء ، أو نهر يجري لقوم : أسْقَيت . فإذا سقَاك الرَّجل ماء لشَفَتك ، قالوا : سقَاه . ولم يقولوا : أسْقَاه ؛ كما قال الله عَزّ وجّل : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } ، وقال : { وَالذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } ، وربما قالوا لما في بطون الأنعام ، ولماء السّماء : سَقى وأسْقى ، كما قال لَبِيد :

سَقَى قومي بني مَجْد وأسقى *** نُمَيرَا والقبائلَ من هلال

رَعَوه مُربِعاً وتَصيّفوه *** بلا وَبَأٍ سُمَيَّ ولا وَبَالِ

وقد اختلف القُراء ، فقرأ بعضهم : { نَسْقِيكم } ، وبعضهم : { نُسْقِيكم } .

وَأما قوله : { مِّما فِي بُطُونِهِ } ، ولم يقل : بطونها فإنه قيل - والله أعلم - إن النَّعَمَ والأَنعام شيء واحد ، وهما جمعان ، فرجع التذكير إلى معنى النَّعَم ، إذا كان يؤدى عن الأنعام ، أنشدني بعضهم :

إذا رأيتَ أنجما من الأَسد *** جَبْهته أو الخرَاة والكَتَدْ

بال سُهَيل في الفضِيح . ففسد *** وطاب أَلْبانُ الِّلقَاح وبَردْ

فرجع إلى اللبن ؛ لأن اللبن والألبان يكون في معنَى واحد . وقال الكسائي ( نُسْقِيكم مِما بُطُونِهِ ) : بطون ما ذكرناه ، وهو صواب ، أنشدني بعضهم :

مثل الفراخ نَتَقَتْ حواصلهْ *** . . .

وقال الآخر :

كذاك ابنةَ الأَعيار خافي بسالة الرجال وأصلال الرجال أقاصرُهْ *** . . .

ولم يقل أقاصرهم . أصلال الرجال : الأقوياء منهم .

وقوله { سَائغاً لِلشَّارِبِينَ } ، يقول : لا يشرَق باللبن ، ولا يُغَصّ به .