بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا سَآئِغٗا لِّلشَّـٰرِبِينَ} (66)

قوله : { وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِي بُطُونِهِ } ، قرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، في رواية أبي بكر : { نُّسْقِيكُمْ } بنصب النون ، وقرأ الباقون : بضم النون . ومعناهما قريب . يقال : سقيته وأسقيته بمعنى واحد . { مّمَّا فِي بُطُونِهِ } ، ولم يقل : مما في بطونها . والأنعام جماعة مؤنثة . وفي هذا قولان : إن شئت رددت إلى واحد من الأنعام ، وواحدها نعم ، والنعم تذكر ، وتؤنث ، كقوله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلك فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ البقرة : 74 ] أي : من الحجر . وإن شئت قلت على تأويل آخر { نُّسْقِيكُمْ } ، وهو { مّمَّا فِي بُطُونِهِ } ، أي : بطون ما ذكرنا . وهذا مثل قوله : { وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات معروشات وَغَيْرَ معروشات والنخل والزرع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ والزيتون والرمان متشابها وَغَيْرَ متشابه كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين } [ الأنعام : 141 ] ، وقال : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة : 90 ] ، ولم يقل فاجتنبوها . أي : فاجتنبوا ما ذكرنا .

ثم قال تعالى : { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ } ، يعني : يخرج اللبن من بين الفرث والدم . قال ابن عباس ، في رواية أبي صالح : إن الدابة تأكل العلف ، فإذا استقر في كرشها ، طحنته الكبد فكان أسفله فرث ، وأوسطه لبن ، وأعلاه دم الكبد مسلط على هذه الأصناف الثلاثة ، فيقسم الدم ، فيجري في العروق ، ويجري اللبن في الضرع ، ويبقى الفرث كما هو في الكرش . وقال بعضهم : إذا استقر العلف في الكرش ، صار دماً بحرارة الكبد ، ثم ينصرف الدم في العروق ، فمقدار ما ينتهي إلى الضرع صار لبناً ، لبرودة الضرع ، بدليل أنَّ الضرع إذا كانت فيه آفة ، يخرج منه الدم مكان اللبن .

ثم قال : { لَّبَنًا خَالِصًا } ، صار اللبن نصباً على معنى التفسير . { سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } ، أي : سهلاً في الشرب لا يغص به شاربه . ويقال : يشتهي شاربه ( إليه ) .