الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا سَآئِغٗا لِّلشَّـٰرِبِينَ} (66)

قوله : { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه } [ 66 ] إلى قوله : { لقوم يتفكرون } [ 69 ] .

قوله : { نسقيكم } من ضم النون{[39276]} ، أو فتح{[39277]} ، فهما لغتان عند أبي عبيدة{[39278]} . وقال الخليل وسيبويه : سقيته ناولته ، وأسقيته جعلت له سقيا{[39279]} .

وقوله : { مما في بطونه } يذهب سيبويه أن العرب تخبر{[39280]} عن الأنعام بخبر الواحد{[39281]} . وقال [ الكسائي معناه نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا . فذكر على ذلك{[39282]} .

وقال{[39283]} ] الفراء : الأنعام والنعم واحد فرجع هنا إلى تذكير النعم{[39284]} . وحكى عن العرب : هذا نعم وارد{[39285]} .

وقال أبو عبيدة : معناه نسقيكم مما في بطون أيها كان [ ذا{[39286]} ] لبن لأنها ليست كلها لها [ لبن{[39287]} ] . وعن الكسائي أن التذكير على البعض أي{[39288]} نسقيكم مما في بطون الأنعام{[39289]} . وقيل : المعنى : أن التذكير إنما جيء به لأنه راجع على ذكر النعم ، لأن اللبن للذكر منسوب{[39290]} . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللبن للفحل " {[39291]} وبذلك{[39292]} يحكم أهل المدينة وغيرهم في حكم الرضاع{[39293]} .

ومعنى الآية : وأن لكم لعظة{[39294]} في الأنعام التي نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم . والفرث ما يكون في الكرش من غذائها{[39295]} . ويقال : أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها . لبنا خالصا : أي خلص من مخالطة الفرث والدم{[39296]} .

والمعنى : أن الطعام يكون منه [ ما{[39297]} ] في الكرش ، ويكون منه الدم ، فيخلص اللبن من الدم{[39298]} .

ومعنى : { خالصا سائغا للشاربين } [ 66 ] أي : يسوغ لمن شربه ، ولا{[39299]} يغص به{[39300]} . وقيل معناه : سهلا لا يشجى{[39301]} به من شربه متساغ في الحلق{[39302]} لا يشاحه [ فيه{[39303]} ] مرارة{[39304]} .

وقيل : إنه لم يغص أحد باللبن قط{[39305]} .

وهذه الآية تدل على فساد قول من يقول : أن المني إنما نجس لسلوكه مسلك البول [ فهذا اللبن يسلك مسلك البول{[39306]} ] وهو طاهر{[39307]} . وهذا إنما يصح على قول : من يرى أن أبوال الإبل والبقر والغنم غير طاهرة{[39308]} . ولا يلزم من قال : إن أبوالها طاهرة{[39309]} .


[39276]:وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي وأبي جعفر، انظر: جامع البيان 14/130 والسبعة 374، وإعراب النحاس 2/401 والحجة 691 والكشف 2/39، والتيسير 138، والجامع 10/82، وفيه أنها قراءة عاصم في رواية حفص عنه، والنشر 304 وتحبير التيسير 134.
[39277]:وهي قراءة ابن عامر ونافع وعاصم وأبي بكر ويعقوب انظر: جامع البيان 14/131، والسبعة 374، وإعراب النحاس 2/401 والحجة 391 والكشف 2/38 والتيسير 138 والجامع 10/82 والنشر 2/304 وتحبير التيسير 134.
[39278]:انظر: قوله في إعراب النحاس 2/401 والجامع 10/82.
[39279]:انظر: قولهما في: الكتاب 4/54، ومعاني الزجاج 3/208. وإعراب النحاس 2/401.
[39280]:ق: يخبر.
[39281]:انظر: الكتاب 3/230، وإعراب النحاس 2/401، والمشكل 2/51 وفيه: "وهذا لا يشبه منصبه ولا يليق بإدراكه"، والجامع 10/82.
[39282]:انظر : قوله في معاني الفراء 2/109، وإعراب النحاس 2/401، والمشكل 2/18، والجامع 10/82.
[39283]:ساقط من ق.
[39284]:انظر: قوله في معاني الفراء 2/109، وإعراب النحاس 2/401، والمشكل 2/18، والجامع 10/82.
[39285]:انظر: إعراب النحاس 2/401.
[39286]:انظر: المصدر السابق.
[39287]:ساقط من ق. وانظر: قول أبي عبيدة في جامع البيان 14/133 وإعراب النحاس 2/401، والمشكل 2/17، وأحكام ابن العربي 3/1151، والجامع 10/82.
[39288]:ق: أن.
[39289]:انظر: قوله في أحكام ابن العربي 3/1151 والجامع 10/82.
[39290]:وهو قول القاضي إسماعيل انظره في المشكل 2/18 وأحكام ابن العربي 3/1151، والجامع 10/82.
[39291]:ق: "للعجل". ولم أقف على النص، ولكن الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن اللبن للفحل في حديث أفلح بن أبي القعيس الذي أخرجه البخاري في الصحيح، رقم 5103، ومسلم في الصحيح رقم 1445، وأبو داود في السنن رقم 2057، ومالك في الموطـأ ص 501.
[39292]:ق: "ولذلك".
[39293]:انظر: المحلى 10/2 والكافي 2/540 وأحكام ابن العربي 3/1151 وبداية المجتهد 2/38 والفقه الإسلامي 7/141.
[39294]:ق: "لحظة".
[39295]:انظر: غريب القرآن 245.
[39296]:انظر: الجامع 10/82.
[39297]:ساقط من ق.
[39298]:انظر: التفسير الكبير 20/69.
[39299]:ط: فلا.
[39300]:ط: "يغصوا فيه". وانظر: هذا القول في معاني الفراء 2/109، والجامع 10/84، واللسان (سوغ).
[39301]:ط: لا يشجر.
[39302]:في النسختين: "الخلق".
[39303]:ساقط من ط.
[39304]:ق: "مري" وانظر: هذا القول في غريب القرآن 245، والجامع 10/84.
[39305]:انظر: هذا الأثر في جامع البيان 14/134 والجامع 10/84، وفيه أنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[39306]:ساقط من ق.
[39307]:وفي نجاسة المني رأيان: الأول للحنفية والمالكية، والليث، ورواية عن أحمد: أنه نجس، والثاني للشافعية وداود، والأظهر عند الحنابلة أنه طاهر "انظر: الأم 1/55 والمهذب 1/47ن والمحلى 1/125، وبداية المجتهد 1/82، والمحرر في الفقه 1/6 ونيل الأوطار 1/65، والفقه الإسلامي 1/163. وقد رد ابن العربي الاستدلال بالآية على طهارة المني ونعت القائلين به بالمتصورين بصورة المصنفين والمتسورين في علوم الدين انظر: أحكام ابن العربي 3/1152، والجامع 10/83 وفيه أنه قول النقاش وغيره.
[39308]:وهو قول الحنفية والشافعية، انظر: المهذب 1/46، والمحلى 1/168، وبداية المجتهد 1/80، والمغنى 1/768 ونيل الأوطار 1/61 والفقه الإسلامي 1/161.
[39309]:وهو قول النخعي والأوزاعي والزهري ومالك وأحمد، ومحمد وزفر من الحنفية ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وهو قول داود، انظر: المهذب 1/46، والمحلى 1/168، وبداية المجتهد 1/80، والمغني 1/768 والقوانين الفقهية 33، ونيل الأوطار 1/60، والفقه الإسلامي 1/160.