{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ( 66 ) } .
{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } ، الأنعام : هي الإبل والبقر والغنم ، ويدخل في الغنم : المعز ، والعبرة أصلها تمثيل الشيء بالشيء ؛ ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة ، ومنه : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } . والظاهر أن " في " سببية ، أي : بسبب الأنعام ، وقال أبو بكر الوراق : العبرة في الأنعام ، تسخيرها لأربابها ، وطاعتها لهم .
والظاهر أن العبرة هي قوله : { نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } ، فتكون الجملة مستأنفة ؛ لبيان العبرة ، قرئ : من سقى يسقي ، ومن أسقى يسقي ، قيل : هما لغتان ، وقرئ : بالتاء ، على أن الضمير راجع إلى الأنعام ، وبالتحتية على إرجاع الضمير إلى الله سبحانه ، وهما ضعيفان ، وجميع القراء على القراءتين الأوليين ، والفتح لغة قريش ، والضم لغة حمير .
وقيل : أن بين سقى وأسقى فرقا ؛ فإذا كان الشراب من يد الساقي إلى فم المسقى ، فيقال : سقيته ، وإن كان بمجرد عرضه عليه وتهيئته له ، قيل : أسقاه . و " من " ، تبعيضية أو ابتدائية ، والضمير في : " بطونه " ، راجع إلى الأنعام ، قال سيبويه : العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد ، وقال الزجاج : لما كان لفظ الجمع يذكر ويؤنث ، فيقال : هو الأنعام ، وهي الأنعام ، جاز عود الضمير بالتذكير .
وقال الكسائي : معناه : مما في بطون ما ذكرنا ، فهو على هذا ، عائد إلى المذكور ، قال الفراء ، وهو صواب . وقال المبرد : هذا فاش في القرآن كثيرا ، مثل قوله للشمس : { هذا ربي } ، يعني : هذا الشيء الطالع ، وكذلك : { إني مرسلة إليهم بهدية } ، ثم قال : { فلما جاء سليمان } ، ولم يقل جاءت ؛ لأن المعنى : جاء الشيء الذي ذكرنا انتهى .
ومن ذلك قوله : { إن هذه تذكرة فمن شاء ذكره } ، وحكى الكسائي : أن المعنى : مما في بطون بعضه ، وهي الإناث ؛ لأن الذكور لا ألبان لها ، وبه قال أبو عبيدة ، وحكى عن الفراء أنه قال : النعم والأنعام واحد ، يذكر ويؤنث ؛ ولهذا تقول العرب : هذه نعم وارد ، فرجع الضمير إلى لفظ النعم الذي هو بمعنى الأنعام ، وهو كقول الزجاج ، ورجحه ابن العربي فقال : إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع ، والتأنيث إلى معنى الجماعة ، فذكره هنا : باعتبار لفظ الجمع ، وأنثه في سورة المؤمنين : باعتبار لفظ الجماعة . { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ } ، الفرث : الزبل الذي ينزل إلى الكرش ، فإذا خرج منه لم يسم فرثا ، بل يسمى روثا ، وهو ثفل الكرش ، يقال : أفرثت الكرش ، إذا أخرجت ما فيها .
وقال البيضاوي : الفرث الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الإنهضام في الكرش ، والمعنى : أن الشيء الذي تأكله ، يكون منه ما في الكرش ، وهو : الفرث ، ويكون منه الدم ، فيكون أسفله فرثا ، وأعلاه دما وأوسطه { لَّبَنًا } ، فيجري الدم في العروق ، واللبن في الضروع ، ويبقى الفرث في الكرش كما هو ، فسبحان من هذه بعض حكمته ، { خَالِصًا } من حمرة الدم ، وقذارة الفرث ، بعد أن جمعهما وعاء واحد ، وذلك أن الحيوان إذا أكل العلف ، طبخه الكرش ، ثم انقسم إلى أقسام ثلاثة : ثفل ، وفوقه اللبن ، وفوقه الدم ، ثم تسلط الكبد عليها : فترسل الدم إلى العروق ، واللبن إلى الضروع ، ويبقى الثفل في الكرش ، حتى ينزل إلى الخارج ، والحاصل أن الله تعالى خلق اللبن في مكان وسط بين الفرث والدم ، { سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } ، أي : لذيذا ، هنيئا لا يغص به من شربه ، يقال : ساغ الشراب يسوغ سوغا ، أي : سهل مدخله في الحلق ، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.