معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (35)

وقوله : { وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا . . . }

إن شِئتَ جعلتَ { فتكونا } جوابا نصبا ، وإن شِئتَ عطفتَه على أوّل الكلام فكان جزْما ؛ مثل قول امرىء القيس :

فقلتُ له صَوِّبْ ولا تَجْهَدَنَّهُ *** فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطاةِ فَتَزْلِقُ

فجزم . ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهي ، كقول القائل : لا تذهب ولا تعرض لأحد . ومعنى الجواب والنَّصْب لا تفعل هذا فيُفعلَ بك مجازاةً ، فلما عُطف حرفُ على غير ما يشاكله وكان في أوّله حادثٌ لا يصلح في الثاني نُصِبَ . ومثله قوله : { وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى } و{ لاَ تَفْتَرُوا على اللّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } و{ لاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ } . وما كان من نفي ففيه ما في هذا ، ولا يجوز الرفع في واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف ؛ بخلاف المعنيين ؛ كقولك للرجل : لا تركب إلى فلان فيركبُ إليك ؛ تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك ، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف ، وقد قال الشاعر :

أَلَمْ تَسْألِ الَّرْبعَ الْقَدِيمَ فَيَنْطِقُ *** وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ الْيَوْمَ بَيْدَاء سَمْلَقُ

أرد : ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله ، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها ، كما قال زهير بن أبى سُلْمَى المُزَنىّ :

قِفْ بِالدِّيارِ التي لَمْ يَعْفُها القِدَمُ *** بَلَى وغَيَّرها الأَرْواحُ والدِّيَمُ

فأكذب نفسه . وأما قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ الّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ والْعَشِي } فإنّ جوابه قولُه : { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ } والفاء التي في قوله : " فَتَطْرُدَهُمْ " جواب لقوله : " ما عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شيء " ففي قوله : " فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ " الجزم والنصب على ما فسّرت لك ، وليس في قوله : " فَتَطْرُدَهُمْ " إلا النصب ، لأنّ الفاء فيها مردودة على محلٍّ وهو قوله : " ما عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ " و " عليك " لا تشاكل الفعل ، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه ، أو محلاّ مثل قوله : " عندك وعليك وخلفك " ، أو كان فعلا ماضيا مثل : " قام وقعد " لم يكن في الجواب بالفاء إلا النصب . وجاز في قوله :

*** فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاةِ فَتَزْلُقْ ***

لأن الذي قبل الفاء يَفْعَل والذي بعدها يفعل ، وهذا مشاكل بعضُه لبعض ؛ لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على آخره ما يقع على أوّله ، وعلى أوّله ما يقع على آخره ؛ لأنه فعل مستقبل .