وقوله : { وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا . . . }
إن شِئتَ جعلتَ { فتكونا } جوابا نصبا ، وإن شِئتَ عطفتَه على أوّل الكلام فكان جزْما ؛ مثل قول امرىء القيس :
فقلتُ له صَوِّبْ ولا تَجْهَدَنَّهُ *** فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطاةِ فَتَزْلِقُ
فجزم . ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهي ، كقول القائل : لا تذهب ولا تعرض لأحد . ومعنى الجواب والنَّصْب لا تفعل هذا فيُفعلَ بك مجازاةً ، فلما عُطف حرفُ على غير ما يشاكله وكان في أوّله حادثٌ لا يصلح في الثاني نُصِبَ . ومثله قوله : { وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى } و{ لاَ تَفْتَرُوا على اللّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } و{ لاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ } . وما كان من نفي ففيه ما في هذا ، ولا يجوز الرفع في واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف ؛ بخلاف المعنيين ؛ كقولك للرجل : لا تركب إلى فلان فيركبُ إليك ؛ تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك ، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف ، وقد قال الشاعر :
أَلَمْ تَسْألِ الَّرْبعَ الْقَدِيمَ فَيَنْطِقُ *** وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ الْيَوْمَ بَيْدَاء سَمْلَقُ
أرد : ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله ، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها ، كما قال زهير بن أبى سُلْمَى المُزَنىّ :
قِفْ بِالدِّيارِ التي لَمْ يَعْفُها القِدَمُ *** بَلَى وغَيَّرها الأَرْواحُ والدِّيَمُ
فأكذب نفسه . وأما قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ الّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ والْعَشِي } فإنّ جوابه قولُه : { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ } والفاء التي في قوله : " فَتَطْرُدَهُمْ " جواب لقوله : " ما عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شيء " ففي قوله : " فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ " الجزم والنصب على ما فسّرت لك ، وليس في قوله : " فَتَطْرُدَهُمْ " إلا النصب ، لأنّ الفاء فيها مردودة على محلٍّ وهو قوله : " ما عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ " و " عليك " لا تشاكل الفعل ، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه ، أو محلاّ مثل قوله : " عندك وعليك وخلفك " ، أو كان فعلا ماضيا مثل : " قام وقعد " لم يكن في الجواب بالفاء إلا النصب . وجاز في قوله :
*** فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاةِ فَتَزْلُقْ ***
لأن الذي قبل الفاء يَفْعَل والذي بعدها يفعل ، وهذا مشاكل بعضُه لبعض ؛ لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على آخره ما يقع على أوّله ، وعلى أوّله ما يقع على آخره ؛ لأنه فعل مستقبل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.