وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ( 35 )
{ اسكن } معناه لازم الإقامة ، ولفظه لفظ الأمر ومعناه الإذن ، و { أنت } تأكيد( {[479]} ) للضمير الذي في { اسكن } ، { وزوجك } عطف عليه والزوج امرأة الرجل وهذا أشهر من زوجة ، وقد تقدم ، و { الجنة } البستان عليه حظيرة ، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم ، هل هي جنة الخلد أو جنة أعدت لهما ؟ وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها ، وهذا لا يمتنع ، إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثاباً لا يخرج منها( {[480]} ) ، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل ولا ورد سمع بأنه لا يخرج منها .
واختلف متى خلقت حواء من ضلع آدم عليه السلام ؟ فقال ابن عباس «حين أنبأ الملائكة بالأسماء وأسجدوا له ألقيت عليه السنة وخلقت حواء ، فاستيقظ وهي إلى جانبه » فقال فيما يزعمون : لحمي ودمي ، وسكن إليها ، فذهبت الملائكة لتجرب علمه ، فقالوا له يا آدم ما اسمها ؟ قال : حواء . قالوا : ولم ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي ، ثم قال الله له : { اسكن أنت وزوجك الجنة } .
وقال ابن مسعود وابن عباس أيضاً : لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشاً ، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصيرى( {[481]} ) ، ليسكن إليها ويستأنس بها ، فلما انتبه رآها ، فقال : من أنت ؟ قالت : امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي ، وحذفت النون من { كلا } للأمر( {[482]} ) ، والألف الأولى لحركة الكاف( {[483]} ) حين حذفت الثانية لاجتماع المثلين وهو حذف شاذ ، ولفظ هذا الأمر ب { كلا } معناه الإباحة ، بقرينة قوله : { حيث شئتما } والضمير في { منها } عائد على { الجنة } .
وقرأ ابن وثاب والنخعي «رغْداً » بسكون الغين ، والجمهور على فتحها ، والرغد العيش الدارّ الهنيّ الذي لا عناء فيه ، ومنه قول امرىء القيس : [ الرمل ] .
بينما المرء تراه ناعماً . . . يأمن الأحداث في عيشٍ رَغَدْ
و { رغداً } منصوب على الصفة لمصدر محذوف وقيل : هو نصب على المصدر في موضع الحال ، و { حيث } مبنية على الضم ، ومن العرب من يبنيها على الفتح ، ومن العرب من يعربها حسب موضعها بالرفع والنصب والخفض ، كقوله سبحانه : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون }( {[484]} ) [ الأعراف : 82 ، القلم : 44 ] ومن العرب من يقول «حوث » ، و { شئتما } أصله شيأتما حوّل إلى فعلتما تحركت ياؤه وانفتح ما قبلها جاء شائتما ، حذفت الألف الساكنة الممدودة للالتقاء وكسرت الشين لتدل على الياء فجاء شئتما .
قال القاضي أبو محمد : هذا تعليل المبرد ، فأما سيبويه فالأصل عنده شيئتما بكسر الياء ، نقلت حركة الياء إلى الشين ، وحذفت الياء بعد .
وقوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة } معناه لا تقرباها ، بأكل ، لأن الإباحة فيه وقعت .
قال بعض الحذاق : «إن الله لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ تقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب »( {[485]} ) .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا مثال بين في سد الذرائع .
وقرأ ابن محيصن هذي على الأصل ، والهاء في هذه بدل من الياء ، وليس في الكلام هاء تأنيث مكسور ما قبلها غير هذه ، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرة معينة واحدة ، أو إلى جنس .
وحكى هارون الأعور عن بعض العلماء قراءة «الشِّجرة » بكسر الشين و «الشجر » كل ما قام من النبات على ساق .
واختلف في هذه { الشجرة } التي نهى عنها ما هي ؟
فقال ابن مسعود وابن عباس : «هي الكَرْم ولذلك حرمت علينا الخمر » .
وقال ابن جريج عن بعض الصحابة : «هي شجرة التين » .
وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك وعطية وقتادة : «هي السنبلة وحبها ككلى البقر ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد » .
وروي عن ابن عباس أيضاً : «أنها شجرة العلم ، فيها ثمر كل شيء » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لا يصح عن ابن عباس .
وحكى الطبري عن يعقوب بن عتبة : «أنها الشجرة التي كانت الملائكة تحنك( {[486]} ) بها للخلد » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا أيضاً ضعيف .
قال : «واليهود تزعم أنها الحنظلة ، وتقول : إنها كانت حلوة ومُرَّت( {[487]} ) من حينئذ » .
قال القاضي أبو محمد وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر ، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها ، وفي حظره تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم ، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء ، ولا يؤمر ولا ينهى .
وقيل إن هذه الشجرة كانت خصت بأن تحوج آكلها إلى التبرز ، فلذلك نهي عنها فلما أكل منها ولم تكن الجنة موضع تبرز أهبط إلى الأرض .
وقوله { فتكونا } في موضع جزم على العطف على { لا تقربا } ، ويجوز فيه النصب على الجواب ، والناصب عند الخليل وسيبويه «أن المضمرة » ، وعند الجرمي( {[488]} ) الفاء ، والظالم في اللغة الذي يضع الشيء غير موضعه ، ومنه قولهم : «من أشبه أباه فما ظلم( {[489]} ) » ومنه «المظلومة الجلد »( {[490]} ) لأن المطر لم يأتها في وقته ، ومنه قول عمرو بن قميئة : [ الكامل ]
ظلم البطاح بها انهلالُ حريصةٍ . . . فصفا النطافُ له بعيدَ المقلعِ( {[491]} )
والظلم في أحكام الشرع على مراتب ، أعلاها الشرك ، ثم ظلم المعاصي وهي مراتب ، وهو في هذه الآية يدل على أن قوله : { ولا تقربا } على جهة الوجوب ، لا على الندب ، لأن من ترك المندوب لا يسمى ظالماً ، فاقتضت لفظة الظلم قوة النهي( {[492]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.