السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (35)

{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } أي : اتخذ الجنة مسكناً لتستقر فيها لأنها استقرار ولبث ولفظة أنت تأكيد أكد به المستكن ليصح العطف عليه وإنما لم يخاطبهما أوّلاً بأن يقول اسكنا تنبيهاً على أنه المقصود بالحكم وهو الأمر بالسكنى التي هي الأصل بالنسبة إلى ما عطف عليها من الأكل وغيره والمعطوف عليه تبع له حتى في الوجود إذ لم يكن له من يؤنسه في الجنة فخلقت حوّاء بالمدّ من ضلعه الأقصر من جانبه الأيسر وهو نائم فلما استيقظ من نومه رآها جالسة عند رأسه كأحسن ما خلق الله فقال : من أنت ؟ قالت : زوجتك خلقني الله لك أسكن إليك وتسكن إليّ . وسميت حوّاء لأنها خلقت من حيّ خلقها الله من غير أن يحس بها آدم ولا وجد لخلقها ألماً ولو وجد له ألماً لما عطف رجل على امرأة قط ، وإنما صح العطف على المستكن مع أنّ المعطوف لا يباشر فعل الأمر لأنه وقع تابعاً ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، والجنة دار الثواب لأنّ اللام للعهد ولا معهود غيرها ، ومن زعم أنها لم تخلق بعد قال : إنّ الجنة بستان كان بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقه الله تعالى امتحاناً لآدم وحمل الإهباط على الانتقال منه إلى أرض الهند كما في قوله تعالى : { اهبطوا مصراً } { وكلا منها } أكلاً { رغداً } أي : واسعاً لذيذاً لا حجر فيه فرغداً صفة مصدر محذوف وقيل : مصدر في موضع الحال { حيث } أي : أي مكان من الجنة { شئتما } وسع الأمر عليهما إزالة للعلة والعذر في التناول من الشجرة المنهي عنها من بين أشجارها التي لا تنحصر . وقرأ أبو عمرو بإدغام الثاء في الشين بخلاف عنه وأبدل السوسي الهمزة وقفاً ووصلاً وحمزة في الوقف فقط { ولا تقربا هذه الشجرة } بالأكل منها وهي شجرة الحنطة أو الكافور أو شجرة العنب و التين شجرة من أكل منها أحدث والأولى كما قال البيضاوي : أن لا تعين من غير دليل قاطع أو ظاهر كما لم تعين في الآية لعدم توقف ما هو المقصود على التعيين { فتكونا } أي : فتصيرا { من الظالمين } أي : العاصين .

تنبيه : في هذه الآية مبالغتان : الأولى : تعليق النهي بالقرب الذي هو من مقدمات التناول مبالغة في تحريمه ووجوب الاجتناب عنه وتنبيهاً على أن القرب من الشيء يورث داعية وميلاً يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى العقل والشرع كما روى أبو داود : ( حبك الشيء يعمى ) ويصم أي : يخفى عليك معانيه ويصم أذنيك عن سماع مساويه فينبغي أن لا يحول ما حول ما حرّم عليهما مخافة أن يقعا فيه .

الثانية : جعل قربانهما إلى الشجرة سبباً لأن يكونا من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي .