{ وقلنا } هو من خطاب الأكابر والعظماء أخبر سبحانه عن نفسه بصيغة الجمع لأنه ملك الملوك { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } أي اتخذ الجنة مأوى ومنزلا ومسكنا وهو محل السكون ، وأما ما قاله بعض المفسرين أن قوله { أسكن } تنبيه على الخروج لأن السكنى لا يكون ملكا ، وأخذ ذلك من قول جماعة من العلماء أن من أسكن رجلا منزلا له فإنه لا يملكه بذلك وإن له أن يخرجه منه ، فهو معنى عرفي ، والواجب الأخذ بالمعنى العربي إذا لم يثبت في اللفظ حقيقة شرعية .
والزوج هي حواء بالمد وهي في اللغة الفصيحة بغير هاء وقد جاء بها قليلا كما في صحيح مسلم قال يا فلان { هذه زوجتي فلانة } الحديث ، وكان خلق حواء من ضلعه الأيسر فلذا كان كل إنسان ناقصا ضلعا من الجانب الأيسر ، فجهة اليمين أضلاعها ثمانية عشر ، وجهة اليسار أضلاعها سبعة عشر ، وقصة خلقها مبسوطة في كتب السنة لا نطول بذكرها هنا فيه دلالة عن أن الجنة مخلوقة الآن .
واختلفوا في الجنة التي أمر آدم بسكناها فقيل إنها جنة كانت في الأرض ، وقيل هي دار الجزاء والثواب ، لأنها معهودة ، وقيل هي جنة أرض فلسطين أو بين فارس وكرمان ، خلقها الله امتحانا لآدم ، وحمل الإهباط على النقل منها إلى أرض الهند كما في قوله تعالى { اهبطوا مصر } لما أن خلق آدم كان في الأرض بلا خلاف ولم يذكر في هذه القصة رفعه إلى السماء ولو وقع ذلك لكان أولى بالذكر والتذكير ، لما أنه من أعظم النعم ، ولأنها لو كانت دار الخلد لما دخلها إبليس وقيل أنها كانت في السماء السابعة بدليل { اهبطوا } ثم أن الإهباط الأول كان منها إلى السماء الدنيا ، والثاني منها إلى الأرض ، وقيل الكل ممكن والأدلة النقلية متعارضة فوجب التوقف وترك القطع قاله أبو السعود .
قلت وقد استوعب الحافظ ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأقراح دلائل الفريقين من غير تصريح برجحان أحد القولين والله تعالى أعلم .
{ وكلا منها } أي اجمعا بين الإستقرار والأكل من رزق الجنة { رغدا } رغد العيش اتسع ولان أي رزقا واسعا لينا ، وأرغد القوم أخصبوا الرغيدة الزبد { حيث شئتما } أي في أي مكان من الجنة شئتما ، وسع الأمر عليهما إزاحة للعلة والعذر في التناول من الشجرة المنهى عنها من بين أشجارها التي لا تنحصر { ولا تقربا هذه الشجرة } يعني للأكل ، والقرب الدنو .
قال الأصمعي : والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة ولهذا جاء به عوضا عن الأكل ، ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل لأنه قد يأكل من ثمرة الشجرة من هو بعيد عنها إذا حمل إليه ، فالأولى أن يقال المنع من الأكل مستفاد من المقام ، والشجر ما كان له ساق من نبات الأرض وواحده شجرة .
واختلف أهل العلم في تعيين هذه الشجرة فقيل هي الكرم وقيل هي السنبلة قاله ابن عباس ، وله عنه طريق صحيحة ، وقيل التين ، وقيل الحنطة ، وقيل اللوز ، وقيل النخلة ، وقيل هي شجرة القلم ، وقيل الكافور ، وقيل الأترج ، وقيل شبه البر وتسمى الدعة ، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم ، وقيل عن جنس من الشجرة ، وقيل ليس في ظاهر الكلام ما يدل على التبيين إذ لا حاجة إليه لأنه ليس المقصود تعرف عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصودا لا يجب بيانه .
{ فتكونا من الظالمين } يعني إن أكلتما من هذه الشجرة ظلمتما أنفسكما فمن جوز ارتكاب الذنوب على الأنبياء قال ظلم نفسه بالمعصية ، والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه ، ومن لم يجوز ذلك على الأنبياء حمل الظلم على أنه فعل ما كان الأولى أن لا يفعله ، وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه ، وقد أطال البحث في ذلك الرازي في تفسيره في هذا الموضع فليرجع إليه فإنه مفيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.