اسكن ، أقم ، ومصدره السكنى كالرجعى ، والمعنى راجع إلى السكون ، وهو عدم الحركة .
وكان الساكن في المكان للبثه واستقراره فيه غير متحرك بالنسبة إلى غيره من الأماكن .
رغداً : أي واسعاً كثير الإعناء فيه ، قال امرؤ القيس :
بينما المرء تراه ناعماً *** يأمن الأحداث في عيش رغد
وزعم بعض الناس أن كل اسم ثلاثي حلقي العين صحيح اللام يجوز فيه تحريك عينه وتسكينها ، مثل : بحر وبحر ، ونهر ونهر ، فأطلق هذا الإطلاق ، وليس كذلك ، بل ما وضع من ذلك على فعل بفتح العين لا يجوز فيه التسكين نحو : السحر لا يقال فيه السحر ، وإنما الكلام في فعل المفتوح الفاء الساكن العين ، وفي ذلك خلاف .
ذهب البصريون إلى أن فتح ما ورد من ذلك مقصور على السماع ، وهو مع ذلك مما وضع على لغتين ، لا أن أحدهما أصل للآخر .
وذهب الكوفيون إلى أن بعضه ذو لغتين ، وبعضه أصله التسكين ثم فتح .
وقد اختار أبو الفتح مذهب الكوفيين ، والاستدلال مذكور في كتب النحو .
حيث : ظرف مكان مبهم لازم الظرفية ، وجاء جره بمن كثيراً وبفي ، وإضافة لدى إليه قليلاً ، ولإضافتها لا ينعقد منها مع ما بعدها كلام ، ولا يكون ظرف زمان خلافاً للأخفش ، ولا ترفع اسمين نائبة عن ظرفين ، نحو : زيد حيث عمر ، وخلافاً للكوفيين ، ولا يجزم بها دون ما خلافاً للفراء ، ولا تضاف إلى المفرد خلافاً للكسائي ، وما جاء من ذلك حكمنا بشذوذه ، وهي مبنية وتعتقب على آخرها الحركات الثلاث ، ويجوز : حوث ، بالواو وبالحركات الثلاثة .
وحكى الكسائي أن إعرابها لغة بني فقعس .
القربان : معروف ، وهو الدنوّ من الشيء .
هذه : تكسر الهاء باختلاس وإشباع ، وتسكن ، ويقال : هذي بالياء ، والهاء فيما ذكروا بدل منها ، وقالوا : ذ بكسر الذال بغير ياء ولا هاء ، وهي تأنيث ذا ، وربما ألحقوا التاء لتأنيث ذا فقالوا ذات مبنية على الكسر .
الشجرة : بفتح الشين والجيم ، وبعض العرب تكسر الشين ، وإبدال الجيم ياء مع كسر الشين وفتحها منقول ، وخالف أبو الفتح في كون اليد بدلاً ، وقد أطلنا الكلام على ذلك في تأليفنا ( كتاب التكميل لشرح التسهيل ) .
والشجر : ما كان على ساق ، والنجم : ما نجم وانبسط على الأرض ليس له ساق .
الظلم : أصله وضع الشيء في غير موضعه ، ثم يطلق على الشرك ، وعلى الجحد ، وعلى النقص .
والمظلومة : الأرض التي لم تمطر ، ومعناه راجع إلى النقص .
{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } الآية : لم يؤثر فيها سبب نزول سمعي ، ومناسبتها لما قبلها : أن الله لما شرف آدم برتبة العلم وبإسجاد الملائكة له ، امتن عليه بأن أسكنه الجنة التي هي دار النعيم .
أباح له جميع ما فيها إلا الشجرة ، على ما سيأتي فيها ، إن شاء الله .
وقلنا : معطوف على الجملة السابقة التي هي قوله تعالى : { وإذا قلنا } : لا على قلنا وحده لاختلاف زمانيهما ، ومعمول القول المنادى وما بعده ، وفائدة النداء تنبيه المأمور لما يلقى إليه من الأمر ، وتحريكه لما يخاطب به ، إذ هو من الأمور التي ينبغي أن يجعل لها البال ، وهو الأمر بسكنى الجنة .
قالوا : ومعنى الأمر هنا إباحة السكنى والإذن فيها ، مثل : { وإذا حللتم فاصطادوا } { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } لأن الاستقرار في المواضع الطيبة لا تدخل تحت التعبد ، وقيل : هو أمر وجوب وتكليف ، لأنه أمر بسكنى الجنة ، وبأن يأكل منها ، ونهاه عن شجرة واحدة .
والأصح أن الأمر بالسكنى وما بعده مشتمل على ما هو إباحة ، وهو الانتفاع بجميع نعيم الجنة ، وعلى ما هو تكليف ، وهو منعه من تناول ما نهى عنه .
وأنت : توكيد للضمير المستكن في أسكن ، وهذا أحد المواضع التي يستكن فيها الضمير وجوباً .
وزوجك : معطوف على ذلك الضمير المستكن ، وحسن العطف عليه تأكيده بأنت ، ولا يجوز عند البصريين العطف عليه دون تأكيد أو فصل يقوم مقام التأكيد ، أو فصل بلا بين حرف العطف والمعطوف ، وما سوى ذلك ضرورة وشاذ .
وقد روي : قم وزيد ، وأجاز الكوفيون العطف على ذلك الضمير من غير توكيد ولا فصل .
وتظافرت نصوص النحويين والمعربين على ما ذكرناه من أن وزوجك معطوف على الضمير المستكن في اسكن ، ويكون إذ ذاك من عطف المفردات .
وزعم بعض الناس أنه لا يجوز إلا أن يكون من عطف الجمل ، التقدير : ولتسكن زوجك ، وحذف : ولتسكن ، لدلالة اسكن عليه ، وأتى بنظائر من هذا الباب نحو : لا نخلفه نحن ولا أنت ، ونحو : تقوم أنت وزيد ، ونحو : ادخلوا أولكم وآخركم ، وقوله :
نطوف ما نطوف ثم يأوي *** ذوو الأموال منا والعديم
إذا أعربناه بدلاً لا توكيداً ، هو على إضمار فعل ، فتقديره عنده ، ولا تخلفه أنت ، ويقوم زيد ، وليدخل أولكم وآخركم ، ويأوي ذوو الأموال .
وزعم أنه استخرج ذلك من نص كلام سيبويه ، وليس كما زعم بل نص سيبويه على مسألة العطف في كتابه ، كما ذهب إليه النحويون .
قال سيبويه ، رحمه الله : وأما ما يقبح أن يشركه المظهر فهو الضمير المرفوع ، وذلك فعلت وعبد الله ، وأفعل وعبد الله ، ثم ذكر تعليل الخليل لقبحه ، ثم قال : نعته حسن أن يشركه المظهر ، وذلك قولك : ذهبت أنت وزيد .
وقال الله عز وجل : { اذهب وربك فقاتلا } { او اسكن أنت وزوجك الجنة } ، انتهى .
فهذا نص من سيبويه على أنه من عطف المظهر على المضمر ، وقد أجمع النحويون على جواز : تقوم عائشة وزيد ، ولا يمكن لزيد أن يباشر العامل ، ولا نعلم خلافاً أن هذا من عطف المفردات .
ولتكميل الكلام على هذه المسألة مكان غير هذا ، وتوجه الأمر بالسكنى على زوج آدم دليل على أنها كانت موجودة قبله ، وهو قول بعض المفسرين أنها خلقت من وقت علمه الله الأسماء وأنبأهم هو إياها .
نام نومة فخلقت من ضلعه الأقصر قبل دخول الجنة .
وأكثر أئمة التفسير أنها خلقت بعد دخول آدم الجنة .
استوحش بعد لعن إبليس وإخراجه من الجنة فنام ، فاستيقظ فوجدها عند رأسه قد خلقها الله من ضلعه الأيسر ، فسألها : من أنت ؟ قالت : امرأة ، قال : ولم خلقت ؟ قالت : تسكن إليّ ، فقالت له الملائكة ، ينظرون مبلغ علمه : ما اسمها ؟ قال : حوّاء .
قالوا : لم سميت حوّاء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي .
وفي هذه القصة زيادات ذكرها المفسرون لا نطول بذكرها لأنها ليست مما يتوقف عليها مدلول الآية ولا تفسيرها .
وعلى هذا القول يتوجه الخطاب على المعدوم ، لأنه في علم الله موجود ، ويكون آدم قد سكن الجنة لما خلقت أمرا معاً بالسكنى ، لتسكن قلوبهم وتطمئن بالقرار في الجنة .
وقد تكلم بعض الناس على أحكام السكنى ، والعمرى ، والرقبى ، وذكر كلام الفقهاء في ذلك ، واختلافهم حين فسر قوله تعالى : { اسكن أنت وزوجك الجنة } ، وليس في الآية ما يدل على شيء مما ذكر .
الجنة : قال أبو القاسم البلخي ، وأبو مسلم الأصبهاني : كانت في الأرض ، قيل : بأرض عدن .
والهبوط : الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما في قوله : { اهبطوا مصراً } لأنها لو كانت دار الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله : { هل أدلك } ولأن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله : { وما هم منها بمخرجين } ولأن إبليس ملعون ، فلا يصل إلى جنة الخلد ، ولأن دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله : { أُكلها دائم } ولأنه لا يجوز في حكمته أن يبتدئ الخلق في جنة يخلدهم ، ولأنه لا نزاع في أنه تعالى خلق آدم في الأرض ، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء .
ولو كان نقله إلى السماء لكان أولى بالذكر ، لأنه من أعظم النعم .
وقال الجبائي : كانت في السماء السابعة لقوله : { اهبطوا } ، ثم الهبوط الأول كان من تلك السماء إلى السماء الأولى ، والهبوط الثاني كان من السماء إلى الأرض .
وقال الجمهور : هي في السماء ، وهي دار الثواب ، لأن الألف واللام في الجنة لا تفيد العموم ، لأن سكنى جميع الجنان محال ، فلا بد من صرفها إلى المعهود السابق ، والمعهود دار الثواب ، ولأنه ثبت في الصحيح في محاجة آدم موسى فقال له : يا آدم أنت أشقيت بنيك وأخرجتهم من الجنة ؟ فلم ينازعه آدم في ذلك .
وقيل : هي السماء وليست دار الثواب ، بل هي جنة الخلد .
وقيل : في السماء جنة غير دار الثواب وغير جنة الخلد .
ورد قول من قال : إنها بستان في السماء ، فلم يصح أن في السماء بساتين غير بساتين الجنة .
ومما استدل به من قال : إنها في الأرض قوله تعالى :
{ لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماً } { ولا لغو فيها ولا تأثيم } { وما هم منها بمخرجين } وقد لغا إبليس فيها وكذب وأخرج منها آدم وحوّاء ، ولأنها لو كانت دار الخلد لما وصل إليها إبليس ووسوس لهما حتى أخرجهما ، ولأن جنة الخلد دار نعيم وراحة وليست بدار تكليف .
وقد تكلف آدم أن لا يأكل من الشجرة ، ولأن إبليس كان من الجن المخلوقين من نار السموم .
وقد نقل أنه كان من الجن الكفار الذين طردوا في الأرض ، ولو كانت جنة الخلد لما دخلتها ، ولأنها محل تطهير ، فكيف يحسن أن يقع فيها العصيان والمخالفة ويحل بها غير المطهرين ؟ .
وأجيب عن الآيات أنها محمولة على حالهم بعد دخول الاستقرار والخلود ، لا على دخولهم على سبيل المرور والجواز .
فقد صح دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة في ليلة المعراج وفي غيرها ، وأنه رآها في حديث الكسوف .
وأما دخول إبليس إليها فدخول تسليط لا تكريم ، وذلك إن صح قالوا : والصحيح أنه لم يدخل الجنة بل وقف على بابها وكلمهما ، وأراد الدخول فردته الخزنة ، وقيل : دخل في جوف الحية مستتراً .
وأما كونها ليست دار تكليف ، فذلك بعد دخولهم فيها للإقامة المستمرة والجزاء بالأعمال الصالحة .
وأما الدخول الذي يعقبه الخروج بسبب المخالفة ، فلا ينافي التكليف بل لا يكون خالياً منه .
{ وكُلا } : دليل على أن الخطاب لهما بعد وجود حوّاء ، لأن الأمر بالأكل للمعدوم فيه بعد ، إلا على تقدير وجوده ، والأصل في : كل أؤكل .
الهمزة الأولى هي المجتلبة للوصل ، والثانية هي فاء الكلمة ، فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ ، فوليت همزة الوصل الكاف ، وهي متحركة ، وإنما اجتلبت للساكن ، فلما زال موجب اجتلابها زالت هي .
قال ابن عطية وغيره : وحذفت النون من كلا للأمر ، انتهى كلامه .
وهذا الذي ذكر ليس على طريقة البصريين ، فإن فعل الأمر عندهم مبني على السكون ، فإذا اتصل به ضمير بارز كانت حركة آخره مناسبة للضمير ، فتقول : كلى ، وكلا ، وكلوا ، وفي الإناث يبقى ساكناً نحو : كلن .
وللمعتل حكم غير هذا ، فإذا كان هكذا فقوله : وكلا ، لم تكن فيه نون فتحذف للأمر ، وإنما يكون ما ذكره على مذهب الكوفيين ، حيث زعموا أن فعل الأمر معرب ، وأن أصل : كل لتأكل ، ثم عرض فيه من الحذف بالتدريج إلى أن صار : كل .
فأصل كلا : لتأكلا ، وكان قبل دخول لام الأمر عليه فيه نون ، إذ كان أصله : تأكلان ، فعلى قولهم يتم قول ابن عطية : إن النون من كلا حذفت للأمر .
{ منها } : الضمير عائد على الجنة ، والمعنى على حذف مضاف ، أي من مطاعمها ، من ثمارها وغيرها ، ودل ذلك على إباحة الأكل لهما من الجنة على سبيل التوسعة ، إذ لم يحظر عليهما أكل ما ، إذ قال : { رغداً } ، والجمهور على فتح الغين .
وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب : بسكونها ، وقد تقدم أنهما لغتان ، وانتصاب رغداً ، قالوا : على أنه نعت لمصدر محذوف تقديره أكلا رغداً .
وقال ابن كيسان : هو مصدر في موضع الحال ، وفي كلا الإعرابين نظر .
أما الأول : فإن مذهب سيبويه يخالفه ، لأنه لا يرى ذلك ، وما جاء من هذا النوع جعله منصوباً على الحال من الضمير العائد على المصدر الدال عليه الفعل .
وأما الثاني : فإنه مقصور على السماع ، قال الزجاج : الرغد الكثير الذي لا يغنيك ، وقال مقاتل : الواسع ، وقال مجاهد : الذي لا يحاسب عليه ، وقيل : السالم من الإنكار الهني ، يقال : رغد عيش القوم ، ورغد ، بكسر الغين وضمها ، إذا كانوا في رزق واسع كثير ، وأرغد القوم : أخصبوا وصاروا في رغد من العيش .
وقالوا عيشة رغد بالسكون أيضاً .
{ حيث شئتما } : أباح لهما الأكل حيث شاءا فلم يحظر عليهما مكاناً من أماكن الجنة ، كما لم يحظر عليهما مأكولاً إلا ما وقع النهي عنه .
وشاء في وزنه خلاف ، فنقل عن سيبويه : أن وزنه فعل بكسر العين فنقلت حركتها إلى الشين فسكنت ، واللام ساكنة للضمير ، فالتقى ساكنان ، فحذفت لالتقاء الساكنين ، وكسرت الشين لتدل على أن المحذوف هو ياء ، كما صنعت في بعت .
{ ولا تقربا } : نهاهما عن القربان ، وهو أبلغ من أن يقع النهي عن الأكل ، لأنه إذا نهى عن القربان ، فكيف يكون الأكل منها ؟ والمعنى : لا تقرباها بالأكل ، لا أن الإباحة وقعت في الأكل .
وحكى بعض من عاصرناه عن ابن العربي ، يعني القاضي أبا بكر ، قال : سمعت الشاشي في مجلس النضر بن شميل يقول : إذ قلت : لا تقرب ، بفتح الراء معناه : لا تلبس بالفعل ، وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن ، وقد تقدم أن معنى : لا تقرب زيد : ألا تدن منه .
وفي هذه الحكاية عن ابن العربي من التخليط ما يتعجب من حاكيها ، وهو قوله : سمعت الشاشي في مجلس النضر بن شميل ، وبين النضر والشاشي من السنين مئون ، إلا إن كان ثم مكان معروف بمجلس النضر بن شميل فيمكن .
وقرئ : ولا تقربا بكسر التاء ، وهي لغة عن الحجازيين في فعل يفعل ، يكسرون حرف المضارعة التاء والهمزة والنون ، وأكثرهم لا يكسر الياء ، ومنهم من يكسرها ، فإن كان من باب : يوحل ، وكاسر ، وفاتح ، مع إقرار الواو وقلبها ألفاً .
{ هذه } : إشارة للحاضر القريب من المخاطب .
{ الشجرة } : نعت لاسم الإشارة ، ويحتمل الإشارة أن تكون إلى جنس من الشجر معلوم ، ويحتمل أن تكون إلى شجرة واحدة من الجنس المعلوم ، وهذا أظهر ، لأن الإشارة لشخص ما يشار إليه .
قال ابن مسعود وابن عباس وابن جبير وجعدة بن هبيرة : هي الكرم ، ولذلك حرمت علينا الخمر ، وقال ابن عباس أيضاً ، وأبو مالك وقتادة : السنبلة ، وكان حبها ككلى البقر أحلى من العسل وألين من الزبد .
ولما تاب الله على آدم جعلها غذاء لبنيه .
قال بعض الصحابة وقتادة : التين ، وقال علي : شجرة الكافور .
وقال الكلبي : شجرة العلم ، عليها من كل لون ، ومن أكل منها علم الخير والشر .
وقال وهب : شجرة الخلد ، تأكل منها الملائكة .
وقال أبو العالية : شجرة من أكل منها أحدث .
وقال بعض أهل الكتاب : شجرة الحنظل .
وقيل : شجرة لم يعلمنا الله ما هي ، وهذا هو الأظهر ، إذ لا يتعلق بعرفانها كبير أمر ، وإنما المقصود إعلامنا أن فعل ما نهينا عنه سبب للعقوبة .
وقرئ : الشجرة بكسر الشين ، حكاها هارون الأعور عن بعض القراء .
وقرئ أيضاً الشيرة ، بكسر الشين والياء المفتوحة بعدها ، وكره أبو عمرو هذه القراءة وقال : يقرأ بها برابر مكة وسودانها ، وينبغي أن لا يكرهها ، لأنها لغة منقولة ، فيها قال الرياشي : سمعت أبا زيد يقول : كنا عند المفضل وعنده أعراب ، فقلت : إنهم يقولون شيرة ، فقالوا : نعم ، فقلت له : قل لهم يصغرونها ، فقالوا شييرة ، وأنشد الأصمعي :
وفي نهي الله آدم وزوجه عن قربان الشجرة دليل على أن سكناهما في الجنة لا تدوم ، لأن المخلد لا يؤمر ولا ينهى ولا يمنع من شيء .
فتكونا منصوب جواب النهي ، ونصبه عند سيبويه والبصريين بأن مضمرة بعد الفاء ، وعند الجرمي بالفاء نفسها ، وعند الكوفيين بالخلاف .
وتحرير القول في هذه المذاهب يذكر في كتب النحو .
وأجازوا أن يكون فتكونا مجزوماً عطفاً على تقربا ، قاله الزجاج وغيره ، نحو قوله :
فقلت له صوب ولا تجهدنه *** فيذرك من أعلى القطاة فتزلق
والأول أظهر لظهور السببية ، والعطف لا يدل عليها ، { من الظالمين } : قيل لأنفسكما بإخراجكما من دار النعيم إلى دار الشقاء ، أو بالأكل من الشجرة التي نهيتما عنها ، أو بالفضيحة بين الملأ الأعلى ، أو بمتابعة إبليس ، أو بفعل الكبيرة ، قاله الحشوية ، أو بفعل الصغيرة ، قاله المعتزلة ، أو بإلزامها ما يشق عليها من التوبة والتلافي ، قاله أبو علي ، أو بحط بعض الثواب الحاصل ، قاله أبو هاشم ، أو بترك الأولى ، قال قوم : هما أول من ظلم نفسه من الآدميين ، وقال قوم : كان قبلهم ظالمون شبهوا بهم ونسبوا إليهم .
وفي قوله : { فتكونا من الظالمين } دلالة على أن النهي كان على جهة الوجوب لا على جهة الندب ، لأن تاركه لا يسمى ظالماً .
قال بعض أهل الإشارات : الذي يليق بالخلق عدم السكون إلى الخلق ، وما زال آدم وحده بكل خير وبكل عافية ، فلما جاءه الشكل والزوج ، ظهر إتيان الفتنة وافتتاح باب المحنة ، وحين ساكن حواء أطاعها فيما أشارت عليه من الأكل ، فوقع فيما وقع .
داء قديم في بني آدم *** صبوة إنسان بإنسان
وقال القشيري : كل ما منع منه توفرت دواعي ابن آدم للاقتراب منه .
هذا آدم عليه السلام أُبيح له الجنة بجملتها ، ونهي عن شجرة واحدة ، فليس في المنقول أنه مد يده إلى شيء من جملة ما أُبيح له ، وكأنه عيل صبره حتى ذاق ما نهي عنه ، هكذا صفة الخلق .
وقال : نبه على عاقبة دخول آدم الجنة من ارتكابه ما يوجب خروجه منها قوله تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة } فإذا أخبر تعالى بجعله خليفة في الأرض ، فكيف يمكن بقاؤه في الجنة ؟ كان آدم لا أحد يوفيه في الرتبة يتوالى عليه النداء : يا آدم ! ويا آدم ! فأمسى وقد نزع عنه لباسه وسلب استئناسه ، والقدرة لا تكابر ، وحكم الله لا يعارض ، وقال الشاعر :