التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (35)

قوله تعالى : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( ذلك من قصص الله سبحانه وهو أصدق القائلين إذ يبين مناداته لآدم وزوجه أن يسكن وإياها معا في الجنة ، أي يقيم وإياها مستأنسين مطمئنين ، ثم يأكلا من الجنة رغدا حيث العيش الدائم المستقر الذي لا يخالطه عناء أو قلق أو إيحاش وزوج آدم هي حواء وسميت بذلك – كما قيل- لأنها خلقت مكن حي وهو زوجها آدم ، وقد ثبت ذلك في نصوص كثيرة منها : ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ( وذلك الذي نستطيع أن نتصوره مستيقنين من غير وقوف على الكيفية التفصيلية لهذا الخلق إلا ما ورد عن خلقها من ضلعه الأيسر ، وفوق ذلك من أقوال وتفصيلات لا نستطيع الركون إليها والتحقق من صحتها على التمام ، وذلك لظنية المصدر الذي يستند إليه كثير من الناس لدى إيراد مثل هذه الأخبار .

والدعوة لآدم وزوجه أن يأكلا من الجنة رغدا ، وليست الجنة – كما يتصور بعض الجاحدين في التفكير من أمثال المعتزلة- في الأرض استنادا إلى ظاهر من بعض النصوص القرآنية ، وما هذا التصور إلا مجانبة للصواب الذي اجتمعت عليه الدلائل القاطعة الجلية ، فلا تتردد مقال ذرة في التيقن بأن الجنة المذكورة هنا لهي في السماء .

وقوله ( رغدا ( صفة لمفعول مطلق محذوف ، وتقديره أكلا رغدا ، {[53]} والرغد هو السعة والعيش الهانىء المطمئن الذي ليس فيه نصب أو ضيق ، نقول راغدا ورغيد أي عائش في خير ولين وسعة .

وقوله : ( حيث شئتما ( حيث ظرف مبني على الضم ، أي اسكنا أي مكان من هذه الجنة ، واستمتعا بطيباتها وخيراتها وتقلبا هاتين خلالها لا ينالكم فيها تعب ، ولا يطرأ عليكم هم ولا حزن ، وأنتم صائرون كذلك في هذا النعيم إلى ما شاء الله .

قوله : ( ولا تقربا هذه الشجرة ( وذلك نهي من الله لآدم وزوجه كيلا يقتربا مجرد اقتراب من الشجرة المعنية التي بينها الله لهما ، والمقصود في النهي أصلا هو الأكل ، لكن النهي عن مجرد الاقتراب لهو آكد في التحذير ومجانبة الشجرة ومن المبادىء الأصولية المعتمدة في شريعة الإسلام مبدأ " سد الذرائع " وهو يقوم على تحريم ما وقع في الحرام أو ما يوشك أن يكون سبيلا تقود إلى المحظور نفسه ، وذلك كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، كما تبين في الحديث الشريف .

واسم الإشارة ( هذه ( في محل نصب مفعول به ، والشجرة بدل منصوب لكن هذه الشجرة من حيث حقيقتها ونوعها غير معروفة ، وكل التفسيرات التي وردت في هذا الصدد لتحدد هذه الشجرة بالاسم لا تستند الى دليل موثوق من نص ، وهي لا تستند في ذلك إلا الى أقوال في التوراة أو الإسرائيليات التي لا نركن إليها والتي لا تصلح دليلا في مثل هذه المواقف الغيبية ، وعلى ذلك فإنه لا مساع لامرئ مسلم أن يخوض في مثل هذه المسألة خوض المتكلف فيما يورده موارد التمحل والزلل . إنما يجدر بالمسلم أن يقف في ذلك عند مفهوم العبارة المحدد للنص القرآني وهو أن آدم وزوجه قد نهيا عن الأكل من شجرة معينة ، في الجنة لا نعلم عن حقيقتها وتحديدها شيئا ، وكل الذي نعرفه أنها شجرة ، الله أعلم بها .

قوله : ( فتكونا من الظالمين ( من الظلم ومعناه : وضع الشيء في غير موضعه وفي المثل " من استرعى الذئب في غير موضعه المناسب الذي يقتضي الإخلاص والحذر هكذا تكون المعاصي والذنوب دليلا على السير في غير المسار السليم أو الصراط المستقيم ، حتى الإنسان نفسه إذا ما تنكب عن صراط الله أو تمرد على دينه ومنهجه سبحانه فقد وضع نفسه في غير موضعه الصحيح ، بل إنه ضل ضلالا أو دس به إلى العمه والازورار ومضى يخيط في طريق وعر ملتوية ، وما كان شيء من ذلك ليكون لولا التنكب عن صراط الله ليكون بدلا منه صراط آخر غير سوي ولا سليم وذلك هو الظلم .


[53]:البيان للأنباري جـ 1 ص 75.