معاني القرآن للفراء - الفراء  
{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (7)

قوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ على قُلُوبِهمْ وَعلى سَمْعِهِمْ وَعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ . . . }

انقطع معنى الختم عند قوله : { وَعلى سَمْعِهِمْ } . ورفعت " الغشاوة " ب " على " ، ولو نصبتها بإِضمار " وجعل " لكان صوابا .

وزعم المفضَّل أن عاصم بن أبى النَّجُود كان ينصبها ، على مثل قوله في الجاثية : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ على عِلْمٍ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وقلْبِهِ وجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوةً } .

ومعناهما واحد ، والله أعلم . وإنما يحسن الإِضمار في الكلام الذي يجتمع ويدلّ أوّله على آخره ؛ كقولك : قد أصاب فلان المال ، فبنى الدورَ والعبيدَ والإماء واللباسَ الحسن ؛ فقد ترى البناء لا يقع على العبيد والإماء ولا على الدوابّ ولا على الثياب ، ولكنه من صفات اليَسَار ؛ فحسن الإضمار لما عرف . ومثله في سورة الواقعة : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدوُنَ . بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } ثم قال : { وَفَاكِهَةٍ مِما يَتَخَيَّرونَ . ولَحْمِ طَيْرٍ مِما يَشْتَهُونَ . وحُورٍ عِينٍ } فخفض بعض القراء ، ورفع بعضهم الحور العين . قال الذين رفعوا : الحور العين لا يطاف بهنّ ؛ فرفعوا على معنى قولهم : وعندهم حُورٌ عينٌ ، أو مع ذلك حور عينٌ ؛ فقيل : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها - والله أعلم - ثم أُتبع آخر الكلام أوّله . وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم ، وأنشدني بعض بنى أسد يصف فرسه :

عَلَفْتُها تِبْنا وماء بارداً *** حتى شَتَتْ هَمالةً عَيْناها

والكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر . وأما ما لا يحسن فيه الضمير لقلّة اجتماعه ، فقولك : قد أعتقت مبارَكا أمس وآخرَ اليوم يا هذا ؛ وأنت تريد : واشتريت آخرَ اليوم ؛ لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت . ولا يجوز أن تقول : ضربت فلانا وفلانا ؛ وأنت تريد بالآخر : وقتلت فلانا ؛ لأنه ليس هاهنا دليل . ففي هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء الله .