النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (7)

قوله تعالى : { خَتَمَ اللهُ على قُلُوبِهِمْ } الختم الطبع ، ومنه ختم الكتاب ، وفيه أربعة تأويلات :

أحدها : وهو قول مجاهد : أن القلب مثل الكف ، فإذا أذنب العبْدُ ذنباً ضُمَّ منه كالإصبع ، فإذا أذنب ثانياً ضم منه كالإصبع الثانية ، حتى ينضمَّ جميعه ثم يطبع عليه بطابع .

والثاني : أنها سمة تكون علامة فيهم{[29]} ، تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين .

والثالث : أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحق ، تشبيهاً بما قد انسدَّ وختم عليه ، فلا يدخله خير .

والرابع : أنها شهادة من الله تعالى على قلوبهم ، بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحقَّ ، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه ، والغشاوة : تعاميهم عن الحق . وسُمِّي القلب قلباً لتقلُّبِهِ بالخواطر ، وقد قيل :

ما سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ *** وَالرَّأْيُ يَصْرِفُ ، والإنْسَانُ أَطْوَارُ{[30]}

والغشاوة : الغطاء الشامل{[31]} .


[29]:- في ق فيه.
[30]:- روى هذا البيت بروايتين أخريين، أولاهما: إن الشطر الثاني: فاحذر على القلب من قلب وتحويل. والأخرى: وما سمى الإنسان إلا لنسيه وما القلب إلا أنه يتقلب .
[31]:- في آية...ختم الله على قلوبهم..إلى آخرها رد على القدرية القائلين بأن الإنسان يخلق إيمانه أو كفره وفي الآية أقوى دليل على أن الله تعالى هو خالق الهدى والضلال، والكفر والإيمان، فمن يهدي من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة؟!