الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (7)

قوله : ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ )[ 6 ] .

معناه( {[743]} ) طبع الله عليها مجازاة( {[744]} ) لهم بكفرهم .

وقيل : معناه : حكم الله عليهم بذلك لما سبق في/ علمه من أنهم لا يؤمنون .

وقيل : معناه : أنهم [ لما تجاهلوا عن( {[745]} ) ] قبول أمر الله عز وجل وفهمه ، وَصَمُّوا عن أمر الله سبحانه ، جعل الله تعالى ذلكم منسوباً إليهم عن فعلهم ، كما يقال : " أهلكه المال " أي( {[746]} ) هلك به .

وقيل : معناه : أن الله تعالى جعل ذلك علامة تعرفهم بها الملائكة .

وأصل الختم الطبع . والرين على القلب دون الطبع ، والقفل أشد من الختم( {[747]} ) .

قال مجاهد : " القلب مثل الكف ، فإذا أذنب العبد قبض عليه –وأشار بقبض( {[748]} ) الخضر تمثيلاً- ثم إذا أذنب قبض عليه ، ومثل بقبض( {[749]} ) البنصر هكذا حتى ضَمَّ أصابعه كلها . ثم يطبع عليه أي يختم( {[750]} ) " .

وقال ابن عباس : " إنما سمي القلب قلباً لأنه يتقلب " .

وروى أبو موسى الأشعري( {[751]} ) أن النبي [ عليه السلام( {[752]} ) ] قال : " الْقَلْبُ مِثْلُ رِيشَةٍ فِي فَلاَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ( {[753]} ) " .

وعنه في حديث آخر : " تُقَلِّبُهَا الرِّيحُ بِأَرضِ " فضاءِ ظَهر( {[754]} ) البَطْنِ " .

قوله : ( عَلَى قُلُوبِهِمْ ) . تكتب " على " و " إلى " و " لدى " ( {[755]} ) بالياء دون سائر الحروف مثلها لأنها أخف من الأفعال ، وكثر استعمالها ، ولأن ألفها يرجع إلى الياء مع المضمر دون سائر الحروف فكتبت( {[756]} ) مع المظهر( {[757]} ) بالياء لذلك .

وتقع " على " بمعنى الباء( {[758]} ) ، تقول : " آركب على اسم الله " أي باسم الله .

وتقع بمعنى " مع " نحو قولك : " جئت على زيد " أي معه . وتقع بمعنى " من " نحو قوله : ( عَلَى النَّاسِ/ يَسْتَوْفُونَ ) [ المطففين : 2 ] أي من الناس . وتقع أيضاً في مواضع حروف أخر قد ذكرناها في كتاب مفرد للحروف( {[759]} ) .

وقوله : ( وَعَلَى سَمْعِهِمْ )[ 6 ] .

إنما وُحِّد السمع لأنه مصدر يقع على القليل والكثير( {[760]} ) .

وقيل : وُحِّد لأنه يؤدي عن الجمع( {[761]} ) .

وقيل : التقدير : " وعلى مواضع سمعهم( {[762]} ) " ، ثم حذف المضاف وإنما أعيدت " على " في قوله : " ( وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ ) للتأكيد في الوعيد .

وقيل : أعيدت لأجل مخالفة السمع للقلوب في أنه أتى/ بلفظ التوحيد ، وأتت القلوب بالجمع .

وقيل : أعيدت لأن الفعل مضمر مع الحرف تقديره : " وختم على سمعهم " . فأما إعادة الحرف( {[763]} ) في ( وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ ) ، فلِلعِلَلِ التي ذكرنا ، ولأنه حرف متصل بفعل مضمر غير الأول فقويت فيه الإعادة ، والتقدير : " وجعل على أبصارهم غشاوة " . وهذا ، إنما هو على قراءة من نصب غشاوة( {[764]} ) ، وهو مروي عن عاصم .

فأما من رفع ، فإنما أعيد الحرف لأنه مخالف للأول ، لأنه خبر ابتداء( {[765]} ) .

ومعنى الغشاوة الغطاء ، ومنه : " غاشية السيف والسرج " أي غطاؤه( {[766]} ) .

وفي ( غِشَاوَةٌ ) ، لغات قرئ بها ، وهي فتح الغين ؛ وبه قرأ أبو حيوة( {[767]} ) ، وضم الغين ؛ وبه قرأ( {[768]} ) الحسن . وقرأ الأعمش( {[769]} ) " غَشْوَة( {[770]} ) " على فعلة( {[771]} ) .


[743]:- في ع2: أي.
[744]:- في ح، ق: مجازاة، وهو تحريف.
[745]:- في ع2: مما تجاهلوا على.
[746]:- في ع2: أو.
[747]:- وهو معنى قول مجاهد. انظر: جامع البيان 1/259.
[748]:- في ق: تقبض. وهو تصحيف.
[749]:- في ق: يقبض، وهو تصحيف.
[750]:- انظر: جامع البيان 1/58-59.
[751]:- هو عبد الله بن قيس بن سليم الصحابي المشهور (ت50هـ) بالكوفة. انظر: طبقات ابن خياط 68، وطبقات ابن سعد 4/105، والاستيعاب 3/979.
[752]:- في ع2 ع3: صلى الله عليه وسلم.
[753]:- أورده القرطبي في تفسيره 1/188.
[754]:- في ع1، ع2، ق، ع3: فظاهراً.
[755]:- في ع3: الذي. وهو تحريف.
[756]:- في ق: تكتب.
[757]:- في ع1: المطهر، وفي ع3، ق: المضمر.
[758]:- في ع1، ق: الياء. وهو تصحيف.
[759]:- انظر: إصلاح الوجوه والنظائر 332-333.
[760]:- انظر: هذا التعليل في إعراب القرآن 1/136، والبيان 1/52، المحرر الوجيز 1/108.
[761]:- البيان 1/52.
[762]:- انظر: مشكل الإعراب 1/76، والبيان 1/52، وتفسير القرطبي 1/190.
[763]:- سقط من ع3.
[764]:- انظر: المحرر الوجيز 1/109، والقطع والإئتناف 117.
[765]:- انظر: الإملاء 1/15.
[766]:- انظر: مجاز القرآن 1/31، وجامع البيان 1/265. ومنه قول الحارث بن خالد المخزومي كما ورد في المحرر الوجيز 1/108. تبعتك إذ عيني عليها غشاوةٌ فلما انجَلَتْ قَطَعْتُ نَفْسي أَلُومُها.
[767]:- في جميع النسخ: حيدة. وهو تحريف. ووجهته بالمناسب. وأبو حَيْوَة بنصب الحاء وسكون الياء وفتح الواو. هو شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي. مقرئ الشام روى القراءة عن الكسائي (ت203هـ). انظر: طبقات ابن خياط 317 وطبقات القراء 1/325. وقد وردت هذه القراءة في المحرر الوجيز 1/110، وتفسير القرطبي 1/191، والإملاء 1/15.
[768]:- في ق: قرئ. انظر: هذه القراءة في تفسير القرطبي 1/191، والإملاء 1/15.
[769]:- وهو سليمان بن مهران، تابعي، أخذ القراءة عن النخعي، وروى عنه ابن أبي ليلى (ت148هـ). انظر: طبقات ابن خياط 164، وطبقات القراء 1/315.
[770]:- في ع3: غشاوة، وهو تحريف.
[771]:- وهي أيضاً قراءة أبي عمرو. انظر: تفسير القرطبي 1/192.