محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (7)

{ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7 } .

استئناف معلل لما سبق من الحكم ، أو بيان وتأكيد له . والختم على الشيء : الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه . والمراد : إحداث حالة تجعلها بسبب تماديهم في الغي ، وانهماكهم في التقليد ، وإعراضهم عن منهاج النظر الصحيح بحيث لا يؤثر فيها الإنذار ، ولا ينفذ فيها الحق أصلا .

قال أبو السعود : وإسناد إحداث تلك الحالة في قلوبهم إلى الله تعالى ، لاستناد جميع الحوادث عندنا من حيث الخلق إليه سبحانه . وورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم ، ووخامة عاقبتهم ، لكون أفعالهم من حيث الكسب مستندة إليهم . فإنّ خَلْقَها منه سبحانه ليس بطريق الجبر ، بل بطريق الترتيب على ما اقترفوه من القبائح كما يعرف عنه قوله تعالى : { بل طبع الله عليها بكفرهم } {[467]} ونحو ذلك ، / يعني كقوله تعالى : { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } وقوله : { ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } {[468]} .

وأما المعتزلة فقد سلكوا مسلك التأويل ، وذكروا في ذلك عدة من الأقاويل .

منها : أن القوم لما أعرضوا عن الحق ، وتمكن ذلك في قلوبهم ، حتى صار كالطبيعة لهم ، شبه بالوصف الخلقيّ المجبول عليه .

ومنها : أن المراد به تمثيل قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن ، أو بقلوب قدّر ختم الله تعالى عليها . كما في : سال به الوادي إذا هلك وطارت به العنقاء إذا طالت غيبته .

ومنها : أن أعراقهم لما رسخت في الكفر ، واستحكمت ، بحيث لم يبق إلى تحصيل إيمانهم طريق سوى الإلجاء والقسر ؛ ثم لم يفعل ذلك محافظة على حكمة التكليف ، عبّر عن ذلك بالختم ، لأنه سدٌّ لطريق إيمانهم بالكلية . وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد .

ومنها : أن ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه . مثل قولهم : { قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه } ، { وفي آذاننا وقر } ، { ومن بيننا وبينك حجاب } {[469]} . تهكّما بهم .

ومنها : أن ذلك في الآخرة وإنما أخبر عنه بالماضي لِتحقُّق وقوعه . ويعضده قوله تعالى : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما }{[470]} . انتهى ملخصا .

( فائدة ) قال الراغب : المراد بالقلب في كثير من الآيات : العقل والمعرفة 1ه .


[467]:[4/ النساء/ 155] ونصها: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا 155}.
[468]:[6/ الأنعام/ 110] ونصها: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لو يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون 110}.
[469]:[41/ فصلت/ 5] ونصها: {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون 5}.
[470]:[17/ الإسراء/ 97] ونصها: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا 97}.