التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (7)

قوله تعالى ( ختم الله على قلوبهم )

أخرج مسلم بسنده عن حذيفة ، قال : كنا عند عمر . فقال : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن ؟ فقال قوم : نحن سمعناه ، فقال : لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره ؟ فقال قوم : نحن سمعناه ، فقال : لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره ؟ قالوا : أجل . قال : تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة . ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر ؟ قال حذيفة : فأسكت القوم ، فقلت : أنا ، قال : أنت ، لله أبوك . قال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا ، فأي قلب ؟ أشربها نكت فيه سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربادا ، كالكوز مجخيا ، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ، إلا ما أشرب من هواه " . قال حذيفة : وحدثته ، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر . قال عمر : أكسرا ، لا أبالك . فلو أنه فتح لعله كان يعاد . قلت : لا . بل يكسر . وحدثته ، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت . حديثا ليس بالأغاليط . قال أبو خالد : فقلت لسعد : يا أبا مالك . ما أسود مربادا ؟ قال : شدة البياض في السواد . قال ، قلت : فما الكوز مجخيا ؟ قال : منكوسا .

( الصحيح رقم 231-الإيمان ، ب بيان ان الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ) ، وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا ( 1/89 ) . قوله : مربادا : والمربد المولع بسواد وبياض ( ترتيب القاموس المحيط 2/286 ) . - قوله : مجخيا : مائلا ( ترتيب القاموس المحيط 1/453 ) .

قال الإمام أحمد : حدثنا صفوان بن عيسى ، أخبرنا محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ، وإن زاد زادت ، حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .

( المسند رقم 7941 ) ، أخرجه الترمذي ( السنن –التفسير_ سورة المطففين رقم 3334 ) ، وابن ماجة( السنن –الزهد-ب ذكر الذنوب رقم 4244 )من طريق محمد بن عجلان به ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وأخرجه الطبري ، والحاكم ( المستدرك 2/517 )من طريق صفوان بن عيسى به ، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي ، وصححه الألباني( صحيح ابن ماجة 2/417 ) ، أحمد شاكر( المسند رقم 7941 ) .

وقال الطبري : فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع ، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر منها مخلص ، فذلك هو الطبع . والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) ، نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف ، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها ، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم ، إلا بعد فضه خاتمه وحله رباطه عنها .

وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك ، حتى يؤمنوا به ، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك .

واخرج ابن أبي حاتم بالإسناد الصحيح من طريق شيبان عن قتادة قال : استحوذ عليهم الشيطان إذا أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون .

قوله تعالى ( وعلى سمعهم وعلى أبصارهم )

قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : لا يخفى ان الواو في قوله : ( وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ) محتملة في الحرفين ان تكون عاطفة على ما قبلهل ، وأن تكون استئنافية . ولم يبين ذلك هنا ، ولكن بين في موضع آخر ان قوله ( وعلى سمعهم ) معطوف على قوله ( على قلوبهم ) وأن قوله ( وعلى أبصارهم ) استئناف والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو ( غشاوة ) وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادها على الجار والمجرور قبلها . ولذلك يجب تقديم هذا الخبر ، لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ . . . فتحصل ان الختم على القلوب والأسماع ، وان الغشاوة على الأبصار وذلك في قوله تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) الجاثية : 23 . فإن قيل : قد يكون الطبع على الأبصار أيضا . كما في قوله تعالى في سورة النحل ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ) الآية ، النحل : 108 . فالجواب : أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل : هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية ، والعلم عند الله تعالى .

( أضواء البيان1/110 ، 109 )