فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (7)

{ ختم الله على قلوبهم } أي طبع عليها واستوثق فلا تعي خيرا ولا تفهمه والختم والكتم أخوان ، وأصل الختم مصدرا معناه التغطية على الشيء ، والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء ولا يخرج منه ما حصل فيه ، ومنه ختم الكتاب والباب ، وما يشبه ذلك حتى لا يوصل إلى ما فيه ولا يوضع فيه غيره ، فشبه هذا المعنى بضرب الخاتم على الشيء تشبيه معقول بمحسوس ، والجامع انتقاء القبول لمانع منع منه ، وكذا يقال في الختم على الاستماع ، وإسناد الختم إلى الله قد احتج به أهل السنة على المعتزلة ، وحاولوا دفع هذه الحجة بمثل ما ذكره صاحب الكشاف والكلام على مثل هذا متقرر في مواطنه .

{ وعلى سمعهم } أي مواضعه ، وإنما وحد السمع مع جمع القلوب كما تقدم والأبصار كما سيأتي لأنه مصدر يقع على القليل والكثير ، أو لوحدة المسموع وهو الصوت ، وإنما خص هذه الأعضاء بالذكر لأنها طرق العلم ، فالقلب محله وطريقه إما السماع وإما الرؤية { وعلى أبصارهم غشاوة } الغشاوة الغطاء وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة ، ومنه غاشية السرج وهي غطاء التعامي عن آيات الله ودلائل توحيده قيل المراد بالختم والغشاوة ههنا هما المعنويان لا الحسيان ، ويكون الطبع والختم على القلوب والأسماع ، والغشاوة على الأبصار كما قاله جماعة قال تعالى { فإن يشأ الله يختم على قلبك } وقال { ختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة } { ولهم عذاب عظيم } يعني في الآخرة وقيل الأسر والقتل في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى والعذاب هو كل ما يؤلم الإنسان هو مأخوذ من الحبس والمنع ، يقال في اللغة أعذبه عن كذا حبسه ومنعه ومنه عذوبة الماء لأنها حبست في الإناء حتى صفت ، وقيل هو الايجاع الشديد ، والعظيم نقيض الحقير ، والكبير نقيض الصغير ، فكان العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير ، ويستعملان في الجثث والأحداث جميعا .