معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ} (23)

وقوله عَزّ وَجَلّ : { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ23 } :

تحبسَان غنمهما . ولا يجوز أن تقول ذُدْتُ الرجل : حبسته . وإنما كان الذِّياد حَبْساً للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يَشِذّ ويذهب فرددته فذلك ذَوْد ، وهو الحبس . وفي قراءة عَبْدِ الله ( وَدُونَهُمُ امْرَأَتَانِ حابِسَتَانِ ) فَسألهُما عن حبسهما فقالتا : لا نقوى على السقْي مع الناس حتى يُصْدِروا . فأتى أهل الماء فاسْتوهبهم دَلْواً فقَالُوا : استقِ إن قوِيت ، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم . فاستقى هو وحدَهُ ، فسَقى غنمهما ، فذلك قول إحدى الجاريتين { إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِىُّ الأَمِينُ } فقُوّته إخراجه الدلو وَحْده ، وأمانته أنّ إحدى الجاريتين قالت : إن أبي يدعوك ، فقامَ معها فمرَّت بين يديه ، فطارت الريح بثيابها فألصقتها بجسَدها ، فقال لها : تأخّري فإن ضللت فدُلّيني . فمشَتْ خلفه فتلك أمانته .