النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ} (23)

قوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ } قال ابن عباس : لما خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينها ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه .

{ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ } أي جماعة . قال ابن عباس : الأمة أربعون .

{ يَسْقُونَ } يعني غنمهم ومواشيهم .

{ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ } فيه وجهان :

أحدهما : تحبسان ، قاله قطرب ، ومنه قول الشاعر{[2132]} :

أبيتُ على باب القوافي كأنّما *** أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا

الثاني : تطردان . قال الشاعر{[2133]} :

لقد سلبت عصاك بنو تميم *** فما تدري بأيِّ عصى تذود

وفيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس ، قاله أبو مالك والسدي .

الثاني : أنهما تذودان الناس عن غنمهما ، قاله قتادة .

الثالث : تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس ، حكاه يحيى بن سلام .

{ قَالَ مَا خَطْبَكُمَا } أي ما شأنكما ، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم .

{ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ } والصدور الانصراف ، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه ، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه . والرعاء جمع راع .

وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان :

أحدهما : تصوّناً عن الاختلاط بالرجال .

الثاني : لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما .

{ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } وفي قولهما ذلك وجهان :

أحدهما : أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما .

الثاني : قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما .


[2132]:البيت لسويد بن كراع يذكر تنقيحه شعره.
[2133]:هو جرير يهجو الفرزدق.