لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ} (23)

لمَّا وافى مدينَ شعيب كان وقت الهاجرة ، وكانت لهم بئر يستقون منها ، فيصبون الماءَ في الحياضِ ، ويسقون أغنامهم ، وكانوا أهل ماشية .

وكان شعيبُ النبيُّ عليه السلام قد كُفَّ بَصَره لكثرة بكائه ؛ ففي القصة أنه بكى فذهب بَصَرَه ، ثم رَدَّ الله عليه بَصَرَه فبكى ، فردَّ الله بصرة فبكى حتى ذهب بَصَرَهُ ، فأوحى الله إليه : لِمَ تبكي يا شعيب . . ؟ إِنْ كان بكاؤك لخوف النار فقد أَمَّنْتُكَ ، وإن كان لأَجْلِ الجنة فقد أَتَحْتُها لك .

فقال : ربِّ . . إنما أبكي شوقاً إليك . فأوحى الله إليه لأجل ذلك أَخْدَمْتُكَ نَبِيِّي وكليمي عَشْرَ حجج .

وكانت لشعيب أغنامٌ ، ولم يكن لديه أجير ، فكانت بِنْتاه تسوقان الغنْمَ مكانَ الرعاة ، ولم يكن لهما قدرة على استقاء الماء من البئر ، وكان الرعاة يستقون ، فإذا انقضَوْا فإنْ بَقِيَتْ في الحوضِ بقيةٌ من الماء استقت بنات شعيب .

فلمَّا وافى موسى ذلك اليومَ وشاهَدَ ذلك ورآهما يمنعان غنمهما عن الماء رَقَّ قلبُه لهما وقال : ما خطبكما ؟ فقالتا : { لاَ نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } . وليس لدينا أجير .