الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ} (23)

قوله : { تَذُودَانِ } : صفةٌ ل " امرَأَتَيْنِ " لا مفعولٌ ثان لأنَّ " وَجَدَ " بمعنى لَقِيَ . والذَّوْدُ : الطَّرْدُ والدَّفْعُ قال :

فَقام يَذُوْدُ الناسَ عنها بسَيْفِه *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل : حَبَسَ ، ومفعولُه محذوفٌ أي : تَذُوْدان الناسَ عن غَنَمِهما ، أو غَنَمَهما عن مزاحمةِ الناس . و " مِنْ دونِهم " أي من مكانٍ أسفلَ مِنْ مكانِهم .

قوله : { مَا خَطْبُكُمَا } قد تقدَّم في طه . وقال الزمخشري هنا : " وحقيقتُه ما مَخْطُوْبُكما ؟ أي : ما مطلوبُكما من الذِّياد ، سَمَّى المخطوبَ خَطْباً ، كما سُمِّي المَشْؤُوْن شأناً في قولك : ما شَأْنُك ؟ يُقال : شَأَنْتُ شَأْنَه أي : قََصَدْتُ قَصْدَه " . وقال ابنُ عطية : " السؤالُ بالخَطْبِ إنما هو في مُصابٍ أو مُضْطَهَدٍ " أو مَنْ يَشْفَقُ عليه ، أو يأتي بمنكرٍ من الأمرِ " .

وقرأ شمر " خِطْبُكما " بالكَسْر أي : ما زوجُكما ؟ أي : لِمَ تَسْقِيان ولم يَسْقِ زوجُكما ؟ وهي شاذَّةٌ جداً .

قوله : { يُصْدِرَ } قرأ أبو عمرٍو وابنُ عامرٍ بفتح الياءِ وضمِّ الدالِ مِنْ صَدَرَ يَصْدُر وهو قاصرٌ أي : يَصْدُرون بمواشِيهم . والباقون بضمِّ الياءِ وكسرِ الدالِ مضارعَ أَصْدَرَ مُعَدَّى بالهمزةِ ، والمفعولُ محذوفٌ أي : يُصْدِرون مواشِيَهم . والعامَّةُ على كسرِ الراءِ من " الرِّعاء " وهو جمعُ تكسيرٍ غيرُ مَقيس ؛ لأنَّ فاعِلاً الوصفَ المعتلَّ اللامِ كقاضٍ قياسُه فُعَلَة نحو : قُضَاة ورُمَاة . وقال الزمخشري : " وأما الرِّعاء بالكسرِ فقياسٌ كصِيامٍ وقِيامٍ " وليس كما ذَكَر لما ذَكَرْتُه .

وقرأ أبو عمرٍو في روايةٍ بفتحِ الراءِ . قال أبو الفضل : " هو مصدرٌ أُقيم مُقامَ الصفةِ ؛ فلذلك استوى فيه الواحدُ والجمعُ " ، أو على حَذْفِ مضافٍ . وقُرِىء بضمِّها وهو اسمُ جمعٍ ك رُخَال ، وثُناء .

وقرأ ابن مصرف " لا نُسْقي " بضمِّ النونِ مِنْ أَسْقَى ، وقد تقدَّم الفرقُ بين سَقَى وأَسْقى في النحل .