معاني القرآن للفراء - الفراء  
{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (18)

وقوله : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ . . . }

قد فتحت القُرّاء الألِف من ( أنه ) ومن قوله { أنّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } . وإن شئت جعلت ( أنه ) على الشرط وجعلت الشهادة واقعة على قوله : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ } وتكون ( أنّ ) الأولى يصلح فيها الخفض ؛ كقولك : شهد الله بتوحيده أن الدين عنده الإسلام .

وإن شئت استأنفت ( إِن الدين ) بكسرتها ، وأوقعت الشهادة على { أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ } . وكذلك قرأها حمزة . وهو أحبّ الوجهين إلىّ . وهي في قراءة عبد الله " إن الدين عند الله الإسلام " . وكان الكسائي يفتحهما كلتيهما . وقرأ ابن عباس بكسر الأوّل وفتح " أن الدين عند الله الإسلام " ، وهو وجه جيد ؛ جعل ( أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ ) مستأنفة معترضة -كأنّ الفاء تراد فيها - وأوقع الشهادة على ( أن الدين عند الله ) . ومثله في الكلام قولك للرجل : أشهد - إني أعلم الناس بهذا - أنّك عالم ، كأنك قلت : أشهد - إني أعلم بهذا من غيري - أنك عالم . وإذا جئت بأنّ قد وقع عليها العلم أو الشهادة أو الظن وما أشبه ذلك كسرت إحداهما ونصبت التي يقع عليها الظنّ أو العلم وما أشبه ذلك ؛ نقول للرجل : لا تحسبن أنك عاقل ؛ إنك جاهل ، لأنك تريد فإنك جاهل ، وإن صلحت الفاء في إن السابقة كسرتها وفتحت الثانية . يقاس على هذه ما ورد .

وقوله { وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائما بِالْقِسْطِ } منصوب على القطع ؛ لأنه نكرة نعت به معرفة . وهو في قراءة عبد الله " القائمُ بالقسط " رَفْع ؛ لأنه معرفة نعت لمعرفة .