معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (20)

وقوله : { فَإنْ حاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ . . . }

( وَمَنِ اتَّبَعَنِ ) للعرب في الياءات التي في أواخر الحروف - مثل اتبعن ، وأكرمن ، وأهانن ، ومثل قوله " دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ - وَقَدْ هَدَانِ " - أن يحذفوا الياء مرة ويثبتوها مرة . فمن حذفها اكتفي بالكسرة التي قبلها دليلا عليها . وذلك أنها كالصلة ؛ إذ سكنت وهي في آخر الحروف واستثقلت فحذفت . ومن أتمها فهو البناء والأصل . ويفعلون ذلك في الياء وإن لم يكن قبلها نون ؛ فيقولون هذا غلامي قد جاء ، وغلامِ قد جاء ؛ قال الله تبارك وتعالى { فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ } في غير نداء بحذف الياء . وأكثر ما تحذف بالإضافة في النداء ؛ لأن النداء مستعمل كثيرا في الكلام فحذف في غير نداء . وقال إبراهيم { رَبَّنا وتَقَبَّل دُعَاء } بغير ياء ، وقال في سورة الملك { كَيْفَ كَانَ نَكِير } و " نذِير " وذلك أنهن رءوس الآيات ، لم يكن في الآيات قبلهن ياء ثانية فأُجرين على ما قبلهن ؛ إذ كان ذلك من كلام العرب .

ويفعلون ذلك في الياء الأصلية ؛ فيقولون : هذا قاض ورام وداع بغير ياء ، لا يثبتون الياء في شيء من فاعِل . فإذا أدخلوا فيه الألف واللام قالوا بالوجهين ؛ فأثبتوا الياء وحذفوها . وقال الله { من يهدِ الله فهو المهتدِ } في كل القرآن بغير ياء . وقال في الأعراف " فهو المهتدى " وكذلك قال { يَوْمَ يُنادِي المُنادِ } و { أُجيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ } . وأحبّ ذلك إليّ أن أثبت الياء في الألف واللام ؛ لأن طرحها في قاض ومفترٍ وما أشبهه بما أتاها من مقارنة نون الإعراب وهي ساكنة والياء ساكنة ، فلم يستقم جمع بين ساكنين ، فحذفت الياء لسكونها . فإذا أدخلت الألف واللام لم يجز إدخال النون ، فلذلك أحببت إثبات الياء . ومن حذفها فهو يرى هذه العلّة : قال : وجدت الحرف بغير ياء قبل أن تكون فيه الألف واللام ، فكرهت إذ دخلت أن أزيد فيه ما لم يكن . وكلّ صواب .

وقوله { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } وهو استفهام ومعناه أمر . ومثله قول الله { فهل أَنْتُم مُنتهون } استفهام وتأويله : انتهوا . وكذلك قوله { هل يَسْتَطِيع ربُّك } وهل تستطيع رَبَّك إنما [ هو ] مسألة . أوَ لا ترى أنك تقول للرجل : هل أنت كافّ عنا ؟ معناه : اكفف ، تقول للرجل : أين أين ؟ : أقِم ولا تبرح . فلذلك جوزى في الاستفهام كما جوزى في الأمر . وفي قراءة عبد الله " هَلْ أَدُلُّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . آمِنوا " ففسّر ( هل أدلكم ) بالأمر . وفي قراءتنا على الخبر . فالمجازاة في قراءتنا على قوله

( هل أدلكم ) والمجازاة في قراءة عبد الله على الأمر ؛ لأنه هو التفسير .