الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (18)

وقوله تعالى : { شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ . . . } [ آل عمران :18 ] .

معنى : { شَهِدَ الله } أعلم عباده بهذا الأمْر الحَقِّ .

وقال ( ص ) : { شَهِدَ } ، بمعنى عَلِمَ أو قضى ، أوْ حَكَم ، أو بَيَّن ، وهي أقوال اه .

وأسند أبو عُمَرَ بْنُ عبدِ البَرِّ في كتاب «فَضْلِ العِلْمِ » عن غالبٍ القَطَّان ، قَالَ : كُنْتُ أختلِفُ إِلى الأَعْمَشِ ، فرأيته ليلةً قَامَ يتهجَّد من الليل ، وقرأ بهذه الآية : { شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَائِمَاً بالقسط لاَ إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام } قال الأعمش : وأنا أشْهَدُ بما شَهِدَ اللَّه به ، وأسْتَوْدِعُ اللَّهَ هذه الشهادةَ ، فقلْتُ للأعمش : إِني سمعتُكَ تقرأُ هذه الآية تردِّدها ، فما بَلَغَكَ فيها ؟ قال : حدَّثني أبو وَائِلٍ ، عن ابنِ مَسْعُودٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : ( يُجَاءُ بِصَاحِبِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : عَبْدِي عهدَ إلَيَّ ، وَأَنَا أَحَقُّ مِنْ وفى بِالعَهْدِ ، أدْخِلُوا عَبْدِي الجَنَّةَ ) اه .

وقرأ جميعُ القرَّاء ( أَنَّهُ ) ، بفتح الهمزةِ ، وبكَسْرها ، من قوله : { إِنَّ الدِّينَ } على استئناف الكلامِ ، وقرأ الكِسَائيُّ وحْده : ( أَنَّ الدِّينَ ) ، بفتح الهمزةِ بَدَلاً من ( أَنَّهُ ) الأولى ، { والملائكة وَأُوْلُواْ العلم } : عطْفٌ على اسم الله ، قال الفَخْر : " المراد بِأُولِي العِلْمِ هنا : الذينَ عَرَفُوا اللَّه بالدَّلاَلة القطعيَّة ، لأن الشهادة ، إنما تكونُ مقبولةً ، إِذا كان الإِخبار مقروناً بالعلْمِ ، وهذا يدلُّ أنَّ هذه الدرجةَ الشريفَةَ لَيْسَتْ إِلا للعلماء بالأُصُولِ " . وتكرَّرت " لا إِله إِلا اللَّه " هنا ، وفائدةُ هذا التكرير الإِعلامُ بأنَّ المسلم يجبُ أنْ يكون أَبداً في تكرير هذه الكلمة ، فإِنَّ أشرفَ كلمةٍ يذكرها الإِنسان هي هذه الكلمةُ ، وإذا كان في أكثر الأوقات مُشْتَغِلاً بذكْرِها وبتكريرها ، كان مُشْتَغِلاً بأعظمِ أنواعِ العباداتِ ، فكان من التكريرِ في هذه الآيةِ حضُّ العبادِ على تكريرها ، اه .

وصحَّ في البخاريِّ عنه صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ) ، وروى زيْدُ بن أرْقَم ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا إخْلاَصُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَحْجِزَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ) ، خرَّجه الترمذيُّ الحَكِيمُ في «نَوَادِرِ الأُصُولِ » اه من " التَّذْكرة " .

و{ قَائِمَاً } : حالٌ من اسمِهِ تعالى في قوله : { شَهِدَ الله } ، أو مِنْ قوله : { إِلاَّ هُوَ } ، و { القسط } : العَدْل .