بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (18)

{ شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ } يعني أن الله تعالى قَبْل أن يخلق الخلق شهد أن لا إله إلا هو { والملائكة } ولما خلق الملائكة شهدوا بذلك ، ثم لما خلق الله المؤمنين شهدوا بمثل ذلك وهم { أُوْلُو العلم } يعني المؤمنين شهدوا بذلك { قَائِمَاً بالقسط } يعني الله قائماً بالعَدْل على كل نفس . ويقال : من أقرّ بهذه الشهادة على عقد قلبه ، فقد قام بالعدل . وقال مقاتل : سبب نزول هذه الآية أن عبد الله بن سلام وأصحابه ، قالوا لرؤساء اليهود اتبعوا دين محمد صلى الله عليه وسلم . فقالت اليهود : ديننا أفضل من دينكم . فقال الله عز وجلَّ : { شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم } يشهدون بذلك ، وأولو العلم بالتوراة يشهدون بذلك ، ويشهدون أن الله قائم بالقسط ، أي بالعدل ، وأن الدين عند الله الإسلام .

قال الكلبي : وفيه وجه آخر وذلك أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، قدم عليه حَبْران من أحبار الشام ، فلما نظرا إلى المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان ، فلما دخلا عليه قالا له : أنت محمد ؟ قال : «نَعَمْ » . قالا : وأنت أحمد ؟ قال : " أَنا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ " قالا : أَخْبِرْنا عن أعظم الشهادة في كتاب الله تعالى ، فنزلت هذه الآية { شَهِدَ الله } . . . الخ . فأسلم الرجلان وصدَّقا أن الدين عند الله الإسلام .

وروي عن أبي عبيدة أنه قال : { شَهِدَ الله } يعني عَلِم الله وبَيَّن الله ، فالله عز وجل دَلَّ على توحيده بجميع ما خلق ، فبيّن أنه لا يقدر أحدٌ أن ينشىء شيئاً واحداً مما أنشأ الله تعالى ، وشَهِدت { الملائكة } بما علمت من عظيم قدرته ، وشهد { أولو العلم } بما ثبت عندهم ، وتبين من خلقه الذي لا يقدر غيره عليه ، وفي هذه الآية بيان فضل أهل العلم ، لأنه ذكر شهادة نفسه ، ثم ذكر شهادة الملائكة ، ثم ذكر شهادة أهل العلم . ثم قال تعالى : { لا إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم } فشهد بمثل ما شهد من قبل ، لتأكيد الكلام .

وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، لكل حي من العرب صنم أو صنمان ، فلما نزلت هذه الآية ، أصبحت تلك الأصنام كلها قد خرت ساجدة .